نرجوكم .. طالبوا بالدعم الذكي!
■ الدعوة للدعم الحكومي لا أحد ينكرها، فدور الحكومات في الاقتصاد مهم، والآن بعد بروز العديد من المشاكل الاجتماعية نتيجة تراجع دور الحكومة في إدارة الاقتصاد، يتجه العالم إلى تعزيز دور الإنفاق الحكومي في حياة الناس لتوسيع دائرة المظلة الإنسانية والاجتماعية، ولكن هذا الإنفاق يطرح الآن تحت مظلة (الدعم الذكي)، أي الذي يتجه إلى الاحتياجات الاجتماعية الحرجة وذات العائد الإنتاجي مثل التعليم، الصحة، الأمن، الإسكان، والنقل، سواء قدم الدعم مباشرة للناس على شكل إعفاءات ضريبية أو عبر الإقراض المباشر لهذه القطاعات ودعم بنيتها الأساسية.
إذاً .. نحن متفقون على مبدأ وأهمية الدعم الموجه الى القطاعات التي تخدم الناس مباشرة. ومناسبة هذا الحديث هي الدعوات المتكررة المستمرة في الأشهر الماضية وآخرها الدعوة التي خرجت لصرف راتب ثلاثة أشهر بدل سكن لموظفي الحكومة، ومثل هذه الدعوة لها منافعها ولكن أضرارها البعيدة أكبر وأشد وطأة من عوائدها القريبة.
الجانب الإيجابي الذي يخدم الموظف في القطاع العام ليس تقديم راتب ثلاثة أشهر، الأهم للموظف هو تقديم (وحدة سكنية) تلبي احتياجاته وتخدم استقراره، فالموظف في المراتب الأولى للسلم الوظيفي لن يحل مشكلته راتب الثلاثة أشهر. الأجدى أن نتحرى الآليات التي تخدم الموظف على المدى البعيد وتخدم استقرار موارد الدولة ونفقاتها.
الدعم الحكومي الإنتاجي الضروري الذي نحتاجه الآن مع الوفورات المالية هو دعم صندوقي التقاعد والتأمينات، فالصندوقان مع ارتفاع الرواتب وتوسع التوظيف مستقبلا سوف يواجهان ضغوطاً في النفقات، ولا أحد يستطيع أن يضمن استقرار عوائد الاستثمارات في السنوات القادمة، فالعالم معرض لموجات الكساد والرواج وآفاق الاقتصاد العالمي الحالية تدعو إلى الحذر الشديد، فقد نؤخذ على غرة وتحدث تطورات لا أحد يتوقعها، ودعم الصندوقين من الفوائض المالية الجارية هو أولى وأهم لموظفي الدولة من تقديم راتب الثلاثة أشهر.
نرجوكم أيضا أن تطالبوا بدعم صناديق الأوقاف للجامعات والجمعيات الخيرية .. فهذه مؤسسات حيوية لإدامة مصادر الخير وتعميق عوائده، فاستقرار الموارد المالية للجامعات يضمن جودة وكفاءة مخرجاتها. كذلك الجمعيات الخيرية تخدم الفئات الضعيفة والمحرومة وهؤلاء هم من يستحقون الدعم .. والمؤسف أن الأصوات الباحثة عن النجومية الشعبية تعبئ الرأي العام عبر الدعوة لدعم السكر والشعير والرز ومنتجات الطاقة مثل (البنزين) ولم نسمع أنها دعت لدعم الجمعيات الخيرية وصناديق أوقافها، رغم أن هذه تتصدى لاحتياجات الناس الملحة.
أخطر جانب في برامج الدعم العامة غير المخصصة لفئات محددة أن أغلبها لا يذهب لمستحقيها، والدعم غير الذكي الذي لا يذهب للمحتاجين من الناس له آثاره الاجتماعية، حيث يزيد الهوة بين الفقراء والأغنياء مما يرفع الأعباء على النفقات المستقبلية للدولة لأنها سوف تضطر لمواصلة الدعم. أيضا له تبعاته السياسية حيث يتعوّد الناس على عدم المبادرة للبحث عن مصادر تمويل دائمة ويحد من المبادرات لاستثمار المجالات الإنتاجية في الاقتصاد، مثل التجارة أو أي مصادر أخرى تقلل الاعتماد على رواتب الحكومة ودعمها.
كذلك نرجو الدعوة لدعم برامج التقاعد عبر ضم الكثير من الموظفين في القطاعين العام والخاص الذين لا يخضعون الآن لنظام التقاعد، هؤلاء هم من يستحق أن نقف معهم إنسانيا ووطنيا، فهؤلاء بعد التقاعد كيف سيواجهون الحياة: هل يتحولون إلى الضمان الاجتماعي أم يكونون عالة على الجمعيات الخيرية؟!
هذا هو الدعم الذي نريده .. نريده أن يذهب للقطاعات الإنتاجية في المجتمع والاقتصاد. إننا بحاجة لتطوير مدخلات التفكير في القضايا الاجتماعية فلدينا تصور وفكر مشوه عن الدعم. موارد الدولة ليس لنا حق التصرف الكامل المطلق فيها دون الحذر لظروف المستقبل واحتمالاته.
لا نريد (نجوما اجتماعية) تتخذ الدعوة إلى الدعم سلما للبروز الشعبي، الموضوع يستحق التفكير العميق المجرد من الذات الذي يضع المصلحة العليا فوق كل اعتبار، علينا أن نفكر في الأجيال القادمه من أبنائنا واحفادنا وحقوقهم في الثروة الوطنية، وحقهم علينا ألا نورثهم مشاكل مالية تصعب عليهم حياتهم.