المناخ السياسي ومستقبل المنطقة الاقتصادي

في ظل الأحداث التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط اليوم بداية بأزمة الملف النووي الإيراني ومرورا بأوضاع العراق المعقدة وأخيرا تطورات الوضع على الساحتين اللبنانية والفلسطينية، فإن المنطقة تسير نحو تصعيد خطير لن تسلم من تبعاته جميع دول المنطقة سياسياً وأمنيا واقتصاديا.
ويبدو للمتابع أن أزمة الشرق الأوسط الحالية بدأت تأخذ أبعادا جديدة بتغير اللاعبين الأساسيين، فظهور إيران الثورة من جديد كقوة إقليمية جعلها تطمح أن تلعب دورا محورياً في قضايا الشرق الأوسط كقوة إقليمية تحظى باعتراف دولي وساعدها على ذلك علاقاتها القوية بقيادة حماس في الخارج واحتضانها لحزب الله في لبنان وولاء معظم القيادات الشيعية الجديدة في العراق لها وعلاقاتها الاستراتيجية بسورية، وساعدها على ذلك أخطاء الولايات المتحدة المتكررة عند تعاملها مع قضايا المنطقة
ولا شك أن الدور الإيراني الجديد الذي سبق للعاهل الأردني التحذير من تبعاته سيكون على حساب الدور العربي الذي كانت تقوده مصر بجانب السعودية بشكل رئيس إضافة إلى سورية قبل أن تتغير قواعد اللعبة السياسية بعد الغزو الأمريكي للعراق والإطاحة برئيسه صدام حسين، وهذا ربما هو الذي جعل الحكومة السعودية تصرح على لسان مصدر مسؤول ولأول مرة تعليقا على الأحداث اللبنانية أنها لن تكون مسؤولة عن تبعات أية مغامرات غير المحسوبة يقوم بها طرف لبناني لخدمة أجندة دول أخرى، وهو ما أكدته القيادتان المصرية والأردنية بعد ذلك.
هذا على صعيد التطورات السياسية التي لابد أن يكون لها تأثير ما على الأوضاع الأمنية والاقتصادية لجميع دول المنطقة، وهو ما تعيه الحكومات الخليجية بالذات، ولاسيما أن معظمها يمر اليوم بطفرة غير مسبوقة تتمثل في ارتفاع أسعار البترول ووصولها إلى أرقام قياسية وتحسن كبير في بيئة الاستثمار التشريعية فيها والوعي الاستثماري المتنامي لدى شرائح المستثمرين بها، إضافة إلى أنها استطاعت خلال السنوات القليلة الماضية من اجتذاب رساميل أجنبية كبيرة مهددة اليوم بفقد زخمها.
في العرف الاستثماري هناك قاعدة تقول إن رأس المال جبان وتعني أن المستثمرين يبحثون عن أعلى معدلات الربحية الممكنة إلا أنهم يتجنبون أية مخاطر قد تؤثر في مستقبل استثماراتهم، وهذا مكمن الخطورة، فالأوضاع الإقليمية التي تمر بها المنطقة اليوم مرشحة لمزيد من التطورات السلبية في المستقبل القريب وهذا ما سيؤثر في حجم الرساميل الأجنبية بالذات.
ولكي تتمكن دول المنطقة ولاسيما الخليجية منها التقليل من تداعيات المناخ السياسي المأزوم على اقتصادياتها لابد أن تتخذ عددا من الخطوات ذات البعد الاستراتيجي، ومنها على سبيل المثال المسارعة في منح الرساميل الوطنية مزيدا من التسهيلات والحوافز، وأيضا التركيز قدر الاستطاعة على جذب الرساميل الوطنية في الخارج ومواصلة تحسين بيئة الاستثمار وبذل جهد أكبر لجذب المستثمرين في دول مثل الصين والهند وكوريا وماليزيا، كما أن أي قرار بالدخول في صلب الأزمة السياسية سيكون له تأثير اقتصادي، من هنا عليها أن تختار إما الحياد الموضوعي والتركيز على أوضاعها الداخلية، وإما الدخول في معمعة التجاذبات الإقليمية والدولية.
ومن المهم أيضا أن تعمل الدول الخليجية على بناء احتياطات نقدية كافية لمواجهة أي تداعيات سياسية أو عسكرية محتملة في المستقبل تجرها جرا لدائرة الخطر ما يستدعي استعدادات مكلفة على أكثر من صعيد.

[email protected]

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي