المجاعة في الصومال تظهر عالما لا تقوده الأخلاق ولا رسالة سماء
أنا قارئ نهم للقرآن. تستوقفني فيه قصصه. وتؤثر في نفسي كثيرا الآيات الإنسانية التي ترى البشر قيمة عظمى. هذه الآيات تربط الإيمان والحصول على رضا الله والدخول في جنته بعد الممات بالطريقة التي نتعامل بها مع أخينا الإنسان، ولا سيما عندما تلم به مصائب الدهر.
وأوضحت نظريتي الخاصة بطريقة انتشار الإسلام، حيث إن العمل والأخلاق الإنسانية كانت وراء انتشاره الواسع في أرجاء المعمورة، وليس الحروب والفتوحات كما يصور لنا بعض المؤرخين.
رسالة السماء هدفها إسعاد الإنسان ومساعدته على تجاوز المحن وتقدم لأتباعها دليلا واضحا إن عمل به حصل على مبتغاه في الآخرة.
والإسلام يربط الإيمان بمحبة الآخر ومساعدة المحتاجين والمعدمين. والإحسان اشتهر به المسلمون، ولا سيما الذين أسلمت أمم جنوب شرقي آسيا على أيديهم. هؤلاء كانوا رسل الإسلام حقا وحقيقة حيث بسلوكهم وأخلاقهم وإحسانهم جذبوا شعوبا وأمما صوب عقيدتهم.
وأنت تقرأ عن هؤلاء المسلمين تشعر بالغبطة والفخر والسؤدد إن كنت من المدافعين عن المسلمين وقرآنهم كما هو الحال مع أمثالي، حيث بإمكاني دحض الكثير من المواقف والنظريات السلبية التي يلصقها البعض بالإسلام.
لا حاجة إلى الاقتباس من القرآن والحديث الشريف للبرهنة على الأهمية التي يوليها الإسلام للعلاقة مع الآخر ومساعدة الآخرين، ولا سيما المحتاجين منهم بغض النظر عن جنسهم ودينهم ومذهبهم ولونهم.
هكذا فعل المسلمون الأوائل في جنوب شرق آسيا. كان الإحسان جزءا من تعاملهم البشري ويزداد أضعافا في الشهر الفضيل هذا. ونحن في رمضان وملايين الصوماليين على شفا مجاعة رهيبة ضحاياها بعشرات الآلاف حتى الآن، أغلبهم من الأطفال.
هناك نفاق كبير في التعامل بين الأمم والشعوب. الأمم الغنية والقوية وحكوماتها ومؤسساتها الدينية والدنيوية تستخدم وجهين أو نظرتين عند التعامل مع البشر، ولا سيما الضعفاء منهم. الطغاة في العالم خطر على البشرية، لكن علينا أن نفسر لأنفسنا وغيرنا ما هو مفهوم الطاغية.
بين العرب والمسلمين هناك طغاة، لكن طريقة محاربتهم وإزالتهم عن الحكم والسلطة يشوبها الكثير من النفاق وعدم الأخلاق. انظر كيف هبت الدول الغربية الغنية ومعها دول أخرى لإسقاط النظام في العراق والنظام في ليبيا.
أنا لا أدافع عن هذين النظامين، لكن الهدف المعلن كان أنهما ينتهكان حقوق الإنسان ويقتلان شعبيهما. هذا صحيح، لكن، لا سيما في الوضع العراقي، ما حدث بعد إزالة النظام وصلت فظاعته، لا بل فاقت كل ما اقترفه النظام نفسه من فظائع. وهناك خشية كبيرة أن يحدث الأمر ذاته في ليبيا.
والآن لننظر إلى الصومال. الفقر (المجاعة) أسوأ من أي طاغية اليوم. وبما أنعم الله على البشرية من نعم التكنولوجيا والعلم، باستطاعتنا تشخيص الفقر ومحاربته. ولو كان عمر بن الخطاب بين ظهرانينا لأخرج سيفه من غمده وقتله. أليس هو القائل: "لو كان الفقر رجلا لقتلته"؟
لكن عالمنا المنافق اليوم ينظر بمنظارين مختلفين إلى الطغاة. الفقر الذي يفتك بالملايين بالصومال ويقتل عشرات الآلاف من الأطفال هناك لا يُحارب كما يُحارب طاغية يحكم بلدا يطفو على بحيرات من النفط كما في ليبيا والعراق.
لا يستحق الصومال تجييش الجيوش وتحريك الأساطيل وتخصيص المليارات كما حدث في الحروب العبثية والكارثية في أفغانستان والعراق وغيرهما رغم أن ما يحدث في الصومال كارثة إنسانية بكل المقاييس.
بسهولة متناهية تبني الحكومات القوية والغنية جسورا جوية لنقل المعدات العسكرية والجيوش لمحاربة من تعتبره عدوا لها أو لمساندة أصدقائها حتى ولو كانوا طغاة، بيد أنها تخفق في تأسيس جسر للإمدادات الإنسانية للصومال.
إن قلنا إن هذه الحكومات والأمم لا نبراس أخلاقيا وإنسانيا (رسالة سماوية) لها وتنطلق من مصالحها المادية والسياسية الضيقة، ما عسانا نقول عن أصحاب رسالة الإحسان التي تجعل مساعدة المسكين واليتيم والجائع والسائل ومحبة الآخر بمساواة، لا، بل أسمى درجة من الإيمان. هكذا أنا أقرأ الإسلام.
وانظر إلى السلطة الدينية، وبينما كانت المجاعة تفتك بالصوماليين وما زالت، تقاطر مئات الآلاف من أتباع مذهب مسيحي من مختلف أرجاء المعمورة إلى إسبانيا في مهرجان باذخ أنفقوا عليه مئات الملايين من الدولارات درجة أنهم سرقوا أضواء الإعلام عن مجاعة الصومال. هل هذه هي رسالة السماء؟ أجزم أن عيسى والله الذي أرسله وملائكته وأنبياءه كانوا ينظرون من العلا باشمئزاز إلى هذا المهرجان وكان يسعدهم لو دفع المحتفلون ما أنفقوه لإنقاذ الأطفال الصوماليين من الموت.
وانظر إلى السلطة الدينية لدى المسلمين. يخرج علينا دعاة بفتاوى غريبة وعجيبة تتناول شتى مناحي الحياة وبعضها يضر بالإسلام كرسالة سماء بدلا من أن يدعمه. أين الفتاوى لمحاربة الفقر بين المسلمين؟ وأين الفتاوى لحث المسلمين كي يهبّوا كرجل واحد لإنقاذ الصومال؟
ما أحوجنا إلى عمر بن الخطاب بين ظهرانينا في عالم اليوم!
تقبل الله صومكم .. وعيدكم مبارك.