صكوك "سابك" والفراغ التشريعي
جاء في الأخبار الصحافية المنشورة في يوم الأربعاء 2/6/1427هـ الموافق 28/6/2006م أن شركة HSBC السعودية المحدودة أعلنت أن الشركة السعودية للصناعات الأساسية "سابك" ستطرح من خلالها صكوكا متوسطة الأجل متوافقة مع الشريعة الإسلامية لا تقل قيمتها عن مليار ريال سعودي (266.7 مليون دولار أمريكي) وذلك في غضون الأسبوعين المقبلين. إن الطرح الجديد يخص صكوكا أعلنت عنها "سابك" لأول مرة في شهر آذار (مارس) 2006م بهدف تمويل مشاريعها التوسعية بحلول عام 2008 م لتكون هذه الصكوك الأولى من نوعها التي تصدرها شركة سعودية، كما تعتبر خطوة رئيسة باتجاه تطوير السوق المالية السعودية التي يغلب عليها الاستثمار في الأسهم. وأوضح أحد المسؤولين في شركة HSBC أن الصكوك ستستهدف المؤسسات المالية والشركات الكبرى وشركات التأمين وصناديق التقاعد والصناديق المشتركة، في حين يمكن أن تكون للأفراد من خلال الصناديق والمحافظ البنكية في حال تملكها جزءا من هذه الصكوك، كما أوضح هذا المسؤول أن طرح الصكوك سيكون على مشاريع "سابك" التسويقية للمنتجات، مبينا أن تلك المشاريع قائمة حاليا وذات دخل عال، ما سيجعل لها جاذبية ولا سيما مع آلية الإفصاح المستمر عن النتائج التي ستكون في شكل ربع سنوي لحملة شهادات الصكوك.
لقد أثلج صدري هذا الخبر لسببين، الأول لأن هذه الصكوك ستصدر متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية. والثاني، لأن هذه الصكوك ستكون الخطوة الأولى نحو تحويل السوق المالية من سوق أسهم فقط إلى سوق للأوراق المالية. وسبق لكاتب هذه السطور أن دعا إلى إصدار هذا النوع من الصكوك في مقالي المنشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 22/9/1425هـ الموافق 26/10/2004م، بعنوان "سندات المقارضة كبديل لسندات القروض" واقترحت في ذلك المقال إلغاء أحكام سندات القروض الواردة في نظام الشركات لأنها مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، واستبدال سندات المقارضة بها وفقا للضوابط الشرعية المعتبرة التي تقوم على أساس أحكام شركة القراض (المضاربة) المعروفة في الفقه الإسلامي، وأنه يمكن تقنين أحكام سندات المقارضة وتنظيمها من الناحية القانونية على أن تكون كالأسهم قابلة للتداول وتمثل وحدات متساوية القيمة، غير قابلة للتجزئة ولكنها تختلف عن الأسهم حيث إنها تصدر من أجل تمويل مشروع أو نشاط اقتصادي معين أو محفظة استثمارية لتكون من مشاريع أو أنشطة متعددة، وتجعل المكتتب فيها شريكا مع الشركة المساهمة وليس شريكا فيها، أي شريك مع الشركة في المشروع أو النشاط الذي صدرت من أجله هذه السندات. وأشرت أيضا في ذلك المقال إلى أن الفقرة (4) من المادة السادسة من نظام السوق المالية منحت مجلس هيئة السوق المالية صلاحية إبداء الرأي والتوصية للجهات الحكومية في الأمور التي يكون من شأنها المساهمة في تنمية السوق وحماية المستثمرين في الأوراق المالية، ولذلك فإن المأمول أن يتبنى المجلس المذكور فكرة تنظيم إصدار أوراق مالية جديدة مثل سندات المقارضة وصكوك الإيجار المنتهية بالتمليك، والتي من شأنها تنمية وتوسيع سوق الأوراق المالية في السعودية. ثم كررت هذا الاقتراح في مقال آخر منشور في جريدة "الاقتصادية" بتاريخ 14/11/1425هـ الموافق 26/12/2005م، بعنوان "ليس لسندات القروض مشروعية". حيث أكدت عدم مشروعية سندات القروض طبقا لآراء أكثرية الفقهاء المعاصرين وطبقا للقرار رقم (60) الذي اتخذه مجلس مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورة مؤتمره السادس في جدة التي انعقدت في الفترة من 17 ـ 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 ـ 20 آذار (مارس) 1990م. كما أشرت إلى تنامي أهمية السندات والصكوك الإسلامية في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتمنيت على مجلس هيئة السوق المالية السعودية أن يمارس صلاحياته النظامية بأن يقدم للجهات الحكومية المختصة التوصيات اللازمة لتنظيم إصدار أوراق مالية جديدة طبقا للصيغ الشرعية، ويكون من شأنها تنمية وتوسيع سوق الأوراق المالية في السعودية.
وهنا نود أن نتساءل: إذا كانت الأسهم تصدر وتطرح للاكتتاب العام بناء على أحكام نظام الشركات، فعلى أي أساس قانوني ستطرح وتسوق الأوراق المالية الجديدة التي تنوي شركة سابك إصدارها؟ .. لا شك أننا نواجه فراغا تشريعيا في هذا الشأن.
والذي أراه أن الأوراق المالية أيا كان نوعها ليست سندات أو عقودا عادية، وإنما هي صكوك قابلة للتداول ولها علاقة وثيقة بحركة الاقتصاد الوطني ونموه الذي يعتمد على حجم الاستثمارات التي ترتبط بدورها إلى حد بعيد بجذب ما تتطلبه تلك الاستثمارات من فوائض مالية لدى الأفراد، عن طريق طرح أوراق مالية مناسبة، الأمر الذي يتطلب توفير الحماية القانونية للمستثمرين في هذه الأوراق، ولذلك فإنه لا يجوز لأي شركة أن تصدر أو تسوق سندات أو صكوكا قابلة للتداول لمواجهة احتياجاتها التمويلية أو لتمويل نشاط معين أو عملية معينة أو لأي غرض آخر إلا بموجب نظام (قانون) يحدد الأحكام والشروط العامة لهذا النوع من الأوراق المالية والإجراءات الواجب اتباعها لإصدار هذه الأوراق وكيفية تداولها وحقوق والتزامات الجهات المصدرة والمستثمرين.
وصفوة القول إنه يجب ألا تترك قواعد تنظيم إصدار الأوراق المالية أيا كان نوعها وأغراضها وطرحها للاكتتاب العام لاجتهادات الجهات المصدرة لها، بل لا بد من أن تكون محكومة بنظام يصدر طبقا للإجراءات القانونية المرعية. والنظام كما هو معروف لا يصدر في المملكة إلا بعد دراسته وإجازته من قبل مجلس الشورى ومجلس الوزراء ثم صدور مرسوم ملكي بالموافقة عليه.