البنوك والمسؤولية القانونية

<a href="mailto:[email protected]">mdukair@yahoo.com</a>

قبل نحو شهر تلطف أخونا الأستاذ غسان بادكوك مدير العلاقات العامة في البنك الأهلي التجاري بتوجيه دعوة لي باسم الرئيس التنفيذي للبنك سعادة الأستاذ عبد الكريم أبو النصر - مع ثلة من كبار الكتاب والاقتصاديين - إلى غداء تعارف وتبادل للآراء حول بعض قضايانا الاقتصادية الملحة وسبل الاستفادة من مرحلة تنامي عوائد النفط الراهنة في تفعيل خطط التنمية وبرامج الإنفاق الطموحة التي أعلنت عنها الدولة في الموازنة الحكومية الأخيرة، إضافة إلى خطط المدن الاقتصادية الطموحة التي رعى حفل تدشينها أخيراً خادم الحرمين الشريفين في كل من ينبع وحائل، أو التي سيعلن عنها في مناطق أخرى بحول الله. وتطرق الحديث بالطبع للآثار الخطيرة لأزمة سوق الأسهم وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، والتطورات الاقتصادية في العالم ومستقبل اقتصادنا بعد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، وأثر هذا الانضمام على مؤسساتنا ومدى استعداد بنوكنا لكل هذه التطورات.
بدأ الأستاذ عبد الكريم أبو النصر بشرح تصوراته حول هذه القضايا، ثم تلطف برقته المعهودة بإبداء رغبته ورغبة زملائه الحاضرين من كبار موظفي البنك بالاستماع إلى آراء ضيوفه حول هذه القضايا. وعندما جاء دوري أكدت أن مجتمعنا يواجه تحديات جديدة وكبيرة تفرضها طبيعة تغير الزمان وتبدل الأحوال سواء في داخل مجتمعنا أو في المنطقة المحيطة بنا أو في بقية العالم. وهي تستدعي وجود قيادات جديدة وتبني أساليب إدارية حديثة تتصف بالمرونة والقدرة على التحرك السريع للتصدي لهذه التحديات. وأبديت قلقي من أن أجهزتنا الحكومية تفتقد هذه الخاصية، فهي لا تزال تسير وفقا لأساليب الماضي التقليدية والبطيئة.
إن تزايد عدد السكان بمعدلاته الكبيرة بدأ في السنوات الأخيرة يولد ضغوطا شديدة وطلبا متزايدا على الخدمات الأساسية التي يحتاج إليها الناس كالخدمات التعليمية والصحية وخدمات المرافق العامة. ومع أننا وصلنا منذ فترة إلى قناعة بأهمية زيادة مشاركة القطاع الخاص في عرض وإنتاج بعض هذه الخدمات، إلا أن العوائق التي تقف أمام القطاع الخاص لا تزال تراوح مكانها، فقد أشار العديد من رجال الأعمال في أكثر من لقاء ومنتدى إلى أن أكثر هذه العوائق صعوبة هي عوائق لوائح ونظم العمالة، تليها عوائق الأمن، ثم القضاء، فالنظم والتشريعات الحكومية. وإني أرجو أن نطلع على رد فعل المهتمين من القراء والمستثمرين على تصريح المصدر المسؤول في وزارة العمل الذي نشرته جريدة "الاقتصادية" على موقعها الإلكتروني يوم الأربعاء الماضي بخصوص سياسة الوزارة تجاه تلبية حاجات رجال الأعمال لتصاريح العمالة الأجنبية من المهارات غير المتوافرة في السوق المحلية، لنتعرف على حدة المشكلة.
وقد سبق أن نبهت في إحدى مقالاتي السابقة إلى نتائج الدراسة التي تم إعدادها بتكليف من رجال الأعمال وقدمت لمنتدى الرياض الاقتصادي الذي عُقد في شهر ذي القعدة الماضي، فقد أظهرت هذه الدراسة أن نحو 80 في المائة من المستثمرين أفادوا أن تكلفتهم التشغيلية ارتفعت على نظيراتها منذ خمس سنوات بسبب ارتفاع معدلات الجريمة والسرقة وزيادة تكلفة حراسات الأمن لممتلكاتهم وأصولهم. في حين ذكر 85 في المائة من رجال الأعمال أن هناك صعوبة في توقع الإجراءات والأحكام القضائية. كما ذكر 83 في المائة منهم أن إجراءات المحاكم بطيئة جداً.
ويبدو أن شكوى رجال الأعمال من صعوبة توقع الإجراءات القضائية وبطئها وعدم كفاية الإجراءات الأمنية جاءت متطابقة مع نتائج تقييم وضع المملكة بالمعايير الدولية استناداً على مؤشر سيادة القانون. وهذا يفسر نتائج مؤشر الضبابية التي احتلت فيه المملكة المرتبة 39 من بين 48 دولة تم تقييمها بهذا المؤشر، فضلا عن احتلالها المرتبة الأخيرة مقارنة بدول مجلس التعاون مقاسة بمعيار البيروقراطية الذي يقيس مدى تأثر الإجراءات المعقدة على الإدارة الرشيدة.
لذلك فنحن بحاجة ماسة إلى الإسراع بتبني الإصلاحات الهيكلية والإدارية التي تتطلبها المرحلة الراهنة، إضافة إلى تحسين سبل الاتصال بين القطاعين العام والخاص، فقد دعا بعضهم إلى أهمية مشاركة أعضاء من القطاع الخاص في كل لجنة وهيئة حكومية لها علاقة بالقرارات الاقتصادية بما لا يقل عن 50 في المائة، وأكدوا على ضرورة الإسراع في برامج التخصيص بإيجاد جهاز مستقل يتولى تنفيذه من خلال جدول زمني محدد مرتبط بأعلى هيئة تنفيذية في الدولة، فهذا من أهم سبل توسيع فرص الاستثمار وزيادة استيعاب مدخرات المواطنين التي لم تجد لها سبيلا سوى تغذية سوق المال وتضخيمه بطريقة زادت من مخاطره، وانحرفت به عن أداء دوره المأمول في توجيه الأموال نحو الاستثمارات النافعة للاقتصاد، وحولته إلى صالة كبرى هي للقمار أقرب منها للاستثمار.
كما أكدت لسعادة الأستاذ عبد الكريم أبو النصر، وهو يودعنا بخلقه الرفيع عند باب المصعد، على أن سمعة البنوك أصبحت تعاني من تدهور كبير في درجة مصداقيتها بين جمهور عريض من عملائها، وأنهم بحاجة ماسة مع بقية زملائهم في البنوك الأخرى، إلى تحسين هذه الصورة سواء تعلق الأمر بنوعية الخدمات ودرجة كفاءتها، أو بالقضاء على ظاهرة تكرار الأخطاء التي بدأت تظهر في الأرصدة النقدية في حسابات عملائهم الجارية ومحافظهم الاستثمارية، فالناس يشتكون من تعطل وبطء خدمات التداول الإلكتروني البنكية، مما يعرضهم لفوات فرص الربح أو يعرضهم لخسائر في سوق الأسهم. كما يشتكى بعضهم من فقد جزء من أرصدتهم النقدية أو اختفاء بعض من أسهمهم من محافظهم الاستثمارية. وهم يتظلمون من أن البنوك تتهرب من تحمل هذه المسؤولية وتحيلهم إلى من حولت إليهم هذه الأرصدة والأسهم. وقد تاه الناس بين البنوك والشرطة وديوان المظالم ومؤسسة النقد، وعجزوا عن استرداد حقوقهم.
إن الناس يعانون من ظاهرة ضياع الحقوق عموما وقد حان الوقت للتصدي لهذه المسألة بجدية وحزم. وهي فكرة أوجهها أيضا للقانونيين وأصحاب مكاتب المحاماة أن يخصصوا جزءا من جهدهم ووقتهم للعمل الخيري في نطاق عملهم، فيبادروا إلى تكوين هيئة وطنية خيرية لحماية الحقوق ومقاضاة المعتدين، ويحتسبون جهدهم كصدقة تطوعية ينالون بها الأجر والمثوبة من الله تعالى، وسيجدون بركة هذا العمل في صحتهم وأموالهم، بل في زيادة الإقبال على خدماتهم غير المجانية. ولعل سعادة أخي الدكتور المحامي باسم عالم يأخذ زمام المبادرة لهذه الفكرة، فيكون له فضل السبق إلى تنفيذها.
إن ضمان الحقوق وسيادة القوانين صمام أمان رئيس للاستقرار الاجتماعي، ومبدأ أساسي لتوسع المعاملات ونموها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي