Author

تغيُّر المناخ العالمي .. موقف لمجلس الأمن

|
من المؤكد أن التغيرات المناخية ستؤثر في السلم والأمن الدوليين، وهذا ما دفع بعض دول العالم إلى طرح هذه القضية البالغة الحساسية في مجلس الأمن، وليس في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلا أن هناك بعضاً من دول العالم يرى أن مجلس الأمن ليس من مهامه الخوض في التغيرات المناخية وقضايا التنمية المستدامة، ومنها عديد من الدول النامية. ومع هذا التباين فقد أصدر مجلس الأمن بيانه متضمناً قلقه من تأثير التهديدات الناجمة عن هذه التغيرات المناخية في المدى الطويل على السلم والأمن الدوليين، وما سيترتب عليها من فقدان الأراضي في بعض الدول بسبب ارتفاع سطح البحر ونقص في موارد المياه العذبة. إن من أسباب الصراعات الدولية ما يرجع إلى التنافس على مصادر المياه فقد أدت التغيرات المناخية الحادة إلى شح شديد في المياه العذبة، وأصبحت مصادر مياه الأنهار محلاً لنزاعات دولية وتوتر في العلاقات بين الدول وبرزت بقوة خلافات ثنائية بين دول تعبر في أراضيها أنهار دولية نتيجة مبادرة بعض الدول إلى حجز أكبر كمية من المياه في خزانات صناعية وسدود ضخمة للحصول على حصة أكبر من المياه، ولم تكن الحكومات لتفعل ذلك لولا شح المياه وتأثير ذلك في الإنتاج الغذائي والزراعي والحيواني بشكل عام. ووفق هذا المنظور، فإن تدخل مجلس الأمن له ما يبرره بعد أن فشلت اتفاقيات ومعاهدات دولية عدة في الحد من تفاعل مشكلات المناخ العالمي فالتداعيات السلبية المحتملة لتغير المناخ والطابع العالمي لنطاقها والمدى الزمني لتأثيرها يتطلب التعاون من جانب جميع البلدان والمشاركة في استجابة دولية فاعلة وملائمة وفقاً لمسؤولياتها المشتركة وقدرات كل منها وأحوالها الاجتماعية والاقتصادية وفق رؤية مجلس الأمن والتي تتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة من أجل صون السلم والأمن الدوليين وضرورة وضع استراتيجيات لمنع نشوب الصراعات. لقد اعترف مجلس الأمن بمسؤوليته عن قضايا التنمية المستدامة بما في ذلك تغير المناخ والمخولة للجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ولكن تخاذل الدول المؤثرة في طبيعة المناخ العالمي من جانب والتزايد المطرد لنتائج هذا التغير أديا إلى طرح جديد يجعل من قضية المناخ العالمي محل اهتمام بالنظر في مؤداها الخطر وما تسببه من صراعات بين الدول المتجاورة على مصادر المياه، أما تأثيرها المباشر في توافر الغذاء ومستوى أسعاره، بل وقف تصديره في أوقات الأزمات، فإن كثيرا من الدول شهدت توترات وعدم استقرار بسبب زيادة تكاليف المعيشة وصعوبة الحصول على الغذاء وفق الأسعار التي تعود عليها المستهلكون، وخصوصا الفئات الأقل دخلاً والتي تضررت كثيراً في معيشتها وقدرتها على التكيف مع هذه النقلة الحادة في مواجهة تكلفة المعيشة، وأدت إلى قلاقل أخلت بالأمن في بعض الدول المستوردة للغذاء والتي لم تستطع شعوبها تحمل الفرق الكبير في التكلفة، كما لم تستطع بعض تلك الدول تحمل الفرق في ميزانياتها لمصلحة المستهلكين. إن بيان مجلس الأمن كاف لتوصيف الأزمة وبيان تأثيرها في المدى البعيد على الأمن والسلم الدوليين رغم أن هناك مَن يرى عدم الربط بين الأمرين وعدم وجود علاقة سببية تبرر تدخل مجلس الأمن. ومع كل ذلك فإن الأهم ليس تحت أي مظلة يمكن معالجة أزمة المناخ العالمي، ولكن الأهم هو كيفية التعامل معها وضرورة الاعتراف بخطورة تدهور حالة المناخ العالمي وتأثيره البالغ في الاقتصاد لمجموع دول العالم، وانعكاس ذلك كله على مصادر الحياة الطبيعية واستقرار الشعوب والدول، وعلى الأخص الدول المتجاورة، والتي يراقب مجلس الأمن علاقاتها المتوترة لأسباب مرجعها شح الموارد الطبيعية بسبب فعل الإنسان وتأثيره في المناخ من حوله.
إنشرها