اللغة الخفية!!

بينما كان الطبيب النفسي ديفيد جون أوتس في مكتبه ببيت منتصف الطريق المخصّص لإيواء أولاد الشوارع، حضرت إليه مجموعة من المراهقين ليفسر لهم سر تلك العبارات والرسائل المعكوسة التي يسمعونها من خلال أغاني الروك، وعند استماعه لتلك الأغاني تمكّن من تمييز حديث جانبي آخر وسط ضجيج الكلمات، مختلف عن الذي سجله مغني الروك عن قصد، فيما يسمى بالقناع الخفي أو Back masking، حيث يقومون بغناء كلمات ومقاطع إذا ما أعيد الاستماع إليها بطريقة معكوسة تجد عبارات محرضة مثل (اقتل نفسك)، ما أدى إلى انتحار الكثير من المراهقين في قضية أفزعت الرأي العام، وفي الوقت نفسه كانت فاتحة لاكتشاف نظرية (الصوت المعكوس)، واعتبرها مكتشفها إحدى وسائل الاتصال بين البشر، وأطلق عليها مسمى الحاسة السابعة.
فكم مرة تمنيت لو تسبر أغوار محدثك وتعرف ما يدور في عقله وحقيقة ما يرويه أو يحدثك به، خصوصا أن لدى العديد من البشر القدرة على إخفاء الحقائق وأحيانا إظهار عكس ما يبطنون فيصعب التحقق من صدقهم، أما اليوم أصبح بإمكانك أن تسمع بأذنك ما يخفيه محدثك دون أن يشعر ودون أن يتفوه به عمداً كواحدة من معجزات هذا العصر.
يرى ديفيد أن الإنسان حين يتحدث يصدر عنه صوتان متزامنان!! صوت يمثل حديثه المباشر المسموع ويصدر من عقله الواعي بما يريد أن يوصله للناس وصوت آخر يأتي على شكل رسائل قصيرة من اللاوعي يعبر عن نيّات المتحدث ودوافعه الحقيقية لفعل أمر ما، والمعنى الحقيقي الخفي لحديثه، ولكي نسمع هذا الصوت نقوم بتسجيل الحديث العادي للمتحدث ثم نقوم بإعادة سماعه، ولكن بطريقة عكسية، في البداية كان يجب أن تحور في مسجلتك لكي تسمع التسجيل بالمقلوب، أما الآن فهناك مسجلات تباع لهذا الغرض فقط.
فخلف كل حديث تستطيع سماع الحقيقة يقول لوراك تريتور (الحقيقة هي كذبة أعيد قولها)، ويدعو أوتس إلى الاستفادة من اكتشافه في علاج المرضى النفسيين لمعرفة ذكرياتهم وما مروا به من تجارب قاسية أثرت في نفسياتهم، وكذلك الحصول على معلومات حقيقية وصادقة من المجرمين دون أن يشعروا ويكون ذلك كبديل لأجهزة كشف الكذب، كما يمكن استخدامه في تحليل خطابات السياسيين والمشاهير، وتقل بذلك التخمينات والتوقعات لمقاصدهم.
ويدعم ديفيد كلامه بتسجيلات عديدة يبثها على موقعه لخطابات وأحاديث مباشرة لمشاهير ثم يقوم بتشغيلها عكسيا وبسرعات مختلفة؛ لكي يتسنى للسامع فهم تلك الرسائل الصادرة من العقل اللاواعي مثل حديث الأطفال الذين يتعلمون الكلام المعكوس قبل أن يتعلموا الكلام المباشر، وخطاب والدة جينيت رامزي ذات الأعوام الستة (المرشحة لنيل لقب ملكة جمال أطفال أمريكا)، التي وجدت مغتصبة ومقتولة في منزلها وظلت قضيتها لسنين في المحاكم دون معرفة القاتل، حين قالت (نحن نشعر أن هناك شخصين على وجه الأرض يعرفان من قتلها)، وعندما عكس أوتس الخطاب وجدها تقول (أنا هذا الشخص الذي شهد جريمة الاغتصاب تلك)، مما أثار ضجة واسعة في وقتها.
ومنذ عام 1984 كرس ديفيد وقته وجهده لدراسة وتعليم ما توصل إليه رغم عدم إيمان الكثيرين من المختصين بنظريته نتيجة لقلة الأدلة العلمية وتعارضها مع بعض الحقائق عن آلية عمل الدماغ والأعصاب واعتبره بعضهم شيئاً نفسياً غير قابل للاختبار.. ولكننا لا نستطيع إنكار ذلك حتى يثبت العكس، فمسجلة صغيرة بنحو الألف ريال تكشف لك المستور.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي