مواطن يبكي أمام ماشيته

قصة ليست من نسج الخيال، لكنها حصلت مع مواطن نشأ مع الماشية وله قصص وحكايات حولها... فقد نشأ صغيراً يرعى صغار الأغنام والماعز قريباً من بيت الشعر، وكبر مع تلك الماشية، حتى إنه أصبح خبيراً بها ويعرف تاريخها... توفي والداه ولم يتركا له أراضي بيضاء (لا يستطيع حصرها) أو عمارات مؤجرة بأسعار خيالية، أو مجمعات سكنية فارهة، أو مزارع وبساتين يصعب عد أشجارها!! ذهب والداه وتركا له تلك الماشية التي كانت لا تعلف، بل تعتاش على ما تلتقفه من بركات الأرض والسماء.
بدأت معاناة ذلك المواطن عندما أجدبت الأرض وأصبح لا يحصل على تغذية ماشيته إلا بالشعير الذي سبب الإدمان لها. كان سعره معقولاً... كما كان موجوداً في كل مكان، فهو مخدر بكل ما تعنيه الكلمة.
ارتفع سعر الأعلاف وصرف صاحبنا الغالي والرخيص من أجل إبراء ذمته مع ماشيته، فقد كان يبيع الذكور من الأغنام والماعز حتى يشتري بها علفاً لماشيته، كانت حالته مستورة حتى جاءت الأزمة الأخيرة التي هي أشبه بالعاصفة التي لم تتوقف، فهي أشبه بالأغبرة التي أصبحنا لا نعرف متى تأتي ومتى تنتهي!! هذه الأزمة جعلت صاحبنا يصرف كل ما يملك من أجل سد جوع ماشيته، حتى وصل به الحال إلى أن يصرف راتبه الشهري الذي قد لا يكفي لقوت أولاده!! مرت به الحال حتى أصبح يتنقل بين القرى والمدن ليحصل على عشرة أكياس من الشعير فقط، وذات يوم رجع صاحبنا ورأى ماشيته قد تعالى ثغاؤها فرحة بقدومه.. لكنه جاءها بخفي حنين. سأله الراعي بلهجة أعجمية: بابا غنم فيه موت إذا ما فيه شعير، جلس صاحبنا ينظر إلى غنمه ودموعه تنهال من عينيه، لأنه شعر بالذنب في تجويع ماشيته، فهي في ذمته.
هذه قصة تعبر عن واقع بعض أصحاب الماشية، ولكن في نفس الوقت هنالك فئة من المواطنين وكثير من الوافدين وجدوا من هذه الأزمات فرصاً ذهبية لا تعوض، فبعضهم يحتكر البرسيم الذي هو في الواقع المخزون المائي لهذا البلد، حيث يقوم تخزينه دون أي تكلفة، ثم يبيعه بضعف التكلفة، كما وصل بهم التلاعب أيضاً إلى احتكار الشعير وبيعه بسعر أعلى من المعلن على الرغم من أن الدولة تدفع مبلغ 15 ريالاً دعماً للكيس الواحد (وزن 50 كيلو غراما).
ومن الجدير بالذكر فإن أعلاف صوامع الغلال التي صرفت عليها الدولة من الميزانية العامة المليارات دخل فيها التلاعب والاحتيال، فعلى سبيل المثال لا الحصر، سعر كيس العلف المكعب (المركب) من الصوامع هو 23 ريالا، (23) فقط، لا يحصل المستفيد الحقيقي من الصوامع إلا على 15-30 كيسا كل ستة أشهر بعد إبراز بطاقة زكاة الماشية (البروة)، إلا أنه من المؤسف أن تلك الأعلاف المدعومة تباع في الأسواق بسعر تعدى 50 ريالاً، فالسؤال: من المستفيد الحقيقي من أعلاف الصوامع؟ أعتقد أن من الحلول الجذرية أن تقوم الدولة قبل الدعم بالرقابة (الدائمة وليست المؤقتة) وكذلك إيجاد آلية جيدة في توزيع الأعلاف، وعدم السماح لأي مقيم بالمتاجرة أو حتى بيع تلك السلع المدعومة أصلاً لأبناء الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي