أوباما ونظرية الحدود الإسرائيلية (1)

في 19/5/2011 ألقى الرئيس الأمريكي باراك أوباما خطابا في وزارة الخارجية الأمريكية حدد فيه رؤيته حيال الدولة الفلسطينية المراد إقامتها، وعلاقتها بإسرائيل، وكان أبرز ما قاله في هذا الشأن ما يلي:
1 ـــ إنشاء دولة فلسطينية وأن تكون لها حدود دائمة مع إسرائيل والأردن ومصر، وأن تكون الحدود بين إسرائيل وفلسطين بناء على خطوط 1967 مع تبادل أراض يتم الاتفاق عليها.
2 ـــ أن تكون دولة فلسطين منزوعة السلاح وأن يكون للشعب الفلسطيني حق حكم نفسه والتوصل إلى قدرته الكاملة في دولة سيادية متكاملة الأراضي مع انسحاب كلي وتدريجي للقوات الإسرائيلية.
وبعد مرور أيام قليلة على هذا الخطاب، وتحت ضغط قوى الاسترهاب (اللوبي) الصهيوني، غيّر أوباما رؤيته حول حدود الدولة الفلسطينية، إذ أعلن أمام مؤتمر منظمة آيباك الصهيونية الأمريكية، أن الحدود النهائية بين إسرائيل وفلسطين ليس بالضرورة أن تكون مطابقة لما كانت عليه في عام 1967 مع تبادل متفق عليه للأراضي. وأنه يتعين الأخذ في الاعتبار التغيرات التي حدثت في الأعوام الـ 40 الماضية بما في ذلك التغيرات السكانية على الأرض واحتياجات الطرفين، مؤكدا التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل مع ضمان تفوقها العسكري. ومن نافلة القول أن المقصود من عبارة (التغيرات السكانية على الأرض) هي المستعمرات الاستيطانية التي أقامتها إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1967، أي أن الرئيس أوباما اتخذ الموقف ذاته الذي اتخذه سلفه جورج دبليو بوش حيث وعد في سنة 2004 آرئيل شارون رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق بأن تنضم هذه المستوطنات لإسرائيل وتدخل ضمن حدودها. ومن ناحية أخرى، رفض بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي في خطابه أمام الكونجرس الأمريكي عودة إسرائيل إلى حدود 1967، زاعما أن هذه الحدود لا يمكن الدفاع عنها، مؤكدا الموقف الإسرائيلي بأن تبقى القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل.
أود في هذا المقال أن أعيد إلى الأذهان حقائق أساسية تتعلق بمسألة حدود إسرائيل ومفهومها لهذه الحدود، الذي يتناقض مع مبادئ القانون الدولي، فأقول بإيجاز شديد ما يلي:
أولا: تحسن الإشارة في البداية إلى أكذوبة ترددها إسرائيل وهي أن حدودها لم تحدد بعد، وهي تهدف من هذا الادعاء إلى تبرير سياستها التوسعية، وسبق أن فندت هذه الأكذوبة في مقالات سابقة منشورة في جريدة ''الاقتصادية''، حيث قلت ''إذا تجاوزنا الحقيقة التاريخية بأن اليهود الغزاة أسسوا إسرائيل بالقوة والإرهاب في فلسطين، التي تعد إقليما عربيا، وأنه لا توجد مشروعية قانونية صحيحة لحيازة إسرائيل هذا الإقليم العربي وممارسة السيادة عليه، وسايرنا منطق القول بالأمر الواقع، فإنه يمكن القول إن حدود إسرائيل قد تم تحديدها على نحو صريح في الرسالة التي وجهتها أول حكومة إسرائيلية إلى حكومة الولايات المتحدة بتاريخ 14/5/1948، حيث أقرت فيها بأن إقليمها ينحصر في النطاق الذي حدده قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في 29/11/1947 الخاص بتقسيم فلسطين إلى دولتين: عربية ويهودية، واعترفت الولايات المتحدة بإسرائيل على هذا الأساس، كما أن إسرائيل لم تقبل في عضوية هيئة الأمم المتحدة إلا بعد تعهدها رسميا بقبول قرارات هذه الهيئة، خصوصا القرار الخاص بالتقسيم، وطبقا لهذا القرار الذي قبلت به إسرائيل وأعلنت التزامها به واعترفت بموجبه الحكومة الأمريكية بدولة إسرائيل، فإن كل أرض احتلتها إسرائيل خارج ذلك النطاق الإقليمي تعد أرضا محتلة، والاحتلال طبقا لقواعد القانون الدولي يعد جريمة دولية ضد السلام''.
ثانيا: قد يقول قائل إن الدول العربية رفضت في عام 1948 قرار التقسيم، وبالتالي فإن إسرائيل غير ملزمة بهذا القرار، والرد على ذلك أن القرار المذكور هو الذي أنشأ إسرائيل، وهي عندما أعلنت قبوله لم تشترط موافقتها على هذا القرار بقبول الطرف العربي، كما أن إسرائيل قبلت بموجبه عضوا في الأمم المتحدة واعترف بها على هذا الأساس عدد من دول العالم، يضاف إلى ذلك أن المستقر عليه في الفقه والقضاء الدوليين أن التصرف الذي يصدر بالإرادة المنفردة من أي دولة، سواء في صورة إعلان أو تصريح أو احتجاج أو إقرار لوضع معين أو رفضه، يعد مصدرا للحقوق والالتزامات على المستوى الدولي، شريطة أن يكون موضوع التصرف بالإرادة المنفردة مشروعا وغير مخالف للقواعد القانونية الآمرة.
وأكد القضاء الدولي في بعض أحكامه القوة الملزمة للتصرفات الصادرة عن الإرادة المنفردة، ونضرب على ذلك مثلا حكم محكمة نورمبرج التي شكلت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لمحاكمة قادة ألمانيا النازية، المتضمن الإشارة إلى أن ألمانيا التزمت بتصريحات حكومتها الخاصة بعزمها على احترام سلامة وحرمة بعض الدول مثل هولندا وبلجيكا، وأن انتهاك ألمانيا هذه الالتزامات يعتبر مخالفا للقانون الدولي. وكذلك الحكم الذي أصدرته المحكمة الدائمة للعدل الدولي التي حلت محلها فيما بعد محكمة العدل الدولية، القاضي بلزومية الوعد الوارد في التصريح الذي أدلى به وزير خارجية النرويج بشأن احترام السيادة الدنماركية على جزيرة جرينلاند. وكذلك انتهت محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر بتاريخ 2/12/1974 في قضيتي أستراليا ونيوزيلندا ضد فرنسا إلى أن التصريحات العلنية التي صدرت نيابة عن الحكومة الفرنسية التي وعدت فيها بوقف التجارب الذرية الفرنسية في جنوب المحيط الباسفيكي، تعتبر ملزمة لفرنسا، وترتيبا على ما سبق فإن إعلان إسرائيل عقب تأسيسها موافقتها على قرار التقسيم يعتبر ملزما لها.
ومن جهة أخرى، قد يقول قائل إن منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيعها اتفاقيات أوسلو مع إسرائيل التي تم توقيع أولها سنة 1993، قبلت التنازل عن قرار تقسيم فلسطين، وقبلت قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 سنة 1967 كأساس للتسوية النهائية. ونرد على ذلك بأن اتفاقيات أوسلو في تقدير عديد من فقهاء القانون الدولي تعد باطلة، لأنها غير متكافئة وتتعارض مع قرارات الأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين، التي تؤكد حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، ولا سيما حقه في تقرير مصيره دون تدخل خارجي، وحقه في الاستقلال والسيادة الوطنية، وحق اللاجئين الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا منها، وغير ذلك من الحقوق الأخرى. يضاف إلى ذلك أن تلك الاتفاقيات أبرمت تحت وطأة الإكراه، فبموجب المادة 52 من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات سنة 1969 تكون المعاهدة باطلة بطلانا مطلقا إذا تم إبرامها كأثر للجوء إلى القوة أو التهديد بها أو الإخلال بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويقتصر الإكراه وفق اتفاقية فيينا على الإكراه العسكري، ولا شك أن منظمة التحرير وقعت اتفاقيات أوسلو تحت إكراه الاحتلال العسكري الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وأيا كان الوضع القانوني لتلك الاتفاقيات التي أذعنت لها منظمة التحرير الفلسطينية، فإن شارون عندما وصل إلى الحكم سنة 2001 أنهى مفعولها عن طريق الامتناع عن تنفيذ الالتزامات الإسرائيلية بموجبها، وإقامة الجدار الفاصل داخل الضفة الغربية وحول القدس، بهدف ترسيم الحدود بين إسرائيل والفلسطينيين بحجة احتياجاتها الأمنية، الذي اعتبرته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 9/7/2004، أنه يتعارض مع قواعد القانون الدولي، ويعد إخلالا بالتزامات إسرائيل الدولية، ومع ذلك استمرت إسرائيل في استكمال تشييد هذا الجدار. وأكد موشيه يعالون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي سقوط اتفاقيات أوسلو، حيث أدلى بتصريحات صحافية في موسكو نقلتها جريدة ''الأهرام'' المصرية بتاريخ 6/6/2011 جاء فيها أن اتفاقيات أوسلو لا تساوي قيمة الورق الذي كتبت عليه.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي