هيكل.. أزمة إعلامية متجددة
الأحداث التي تجري في عالمنا العربي، لا تشكل أزمات للأنظمة والقيادات السياسية فحسب، بل تشكل أزمات للقيادات الدينية التي أصبحت تفصل الفتوى والموقف حسب البلد المستهدف، وكذلك للعاملين والعاملات في مجال الإعلام، وإذا كانت أزمة القيادات السياسية أمرا ظاهرا، وواضحا للعيان، وأزمة القيادات الدينية تتمثل في تلك الازدواجية التي تتعامل بها تلك القيادات مع الأحداث، إلا أن أزمات الإعلام العربي متنوعة، بعضها يتمثل في غياب المصداقية، وبعضها أنموذج لغياب المهنية الإعلامية، وآخر دليل على ارتهان الإعلامي للنظام السياسي، وهذا ما يتضح جلياً فيما أحدثه الوضع على الساحة السورية من ارتباك لدى الإعلاميين السوريين، الذين يعيشون في صراع، بين ما يشهدونه من وضع مأساوي لا يمكن السكوت عنه، وخوف على الأهل الذين هم رهائن لدى النظام.
وإذا كان وضع الإعلاميين السوريين، أمرا قد ينزاح بنهاية الوضع في سورية، إلا أن هناك وضعاً إعلامياً عجيباً نشأ بعد سقوط النظام المصري السابق، وهو وضع أصبح محل نقد كثير من الكتاب والإعلاميين المصريين.
هذا الوضع يتمثل في السعي الحثيث للانتقام من النظام السابق عبر إلصاق جميع التهم والخطايا به، ونفي أي إنجاز له، بل وإبراز كل من يريد تصفية حسابه مع رموز ذلك النظام، وكان محمد حسنين هيكل من أبرز المساهمين في أزمة الإعلام المصري.
هذا الوضع وصفه الكاتب المصري جلال السيد في مقاله في صحيفة ''الأخبار'' يوم الإثنين الماضي الذي حمل عنوان ''ليه يا أستاذ هيكل'' بالانفلات، حيث قال: ''إذا كنا نعاني من الانفلات الأمني، فإننا نعاني أيضا الانفلات الإعلامي، وأصبح الجري وراء الإثارة والمبالغة في الأرقام والأحداث أمرا شائعا'' وأبدى أسفه الشديد على ما أعلنه محمد حسنين هيكل من أرقام غير مؤكدة حول ثروة الرئيس السابق مبارك، وقال: ''المفروض أن هيكل أستاذ الصحافة الأكبر، أن الإنسان حينما يبلغ من العمر أرذله لا يقول إلا الحقيقة، مخافة الله، ولا يخلص حسابات قديمة، خاصة إذا كان خصمه في محنة''.
عاصفة أخرى ثارت في وجه هيكل بسبب تشبيهه المعركة الجوية في حرب أكتوبر 1973م بأنها ''مجرد مظاهرة جوية''، فبعد تصريحاته، التي أراد منها النيل من حسني مبارك، تقدم 45 ضابطاً في القوات الجوية المصرية ببلاغ ضد هيكل يتهمونه فيه بإهانة القوات الجوية.
أما قضية التجسس الإيرانية في مصر، فقد كانت حدثاً جرت معالجته سريعاً، ونشرت صحيفة ''الأهرام'' خبراً مطولا عن القضية حمل عناوين جاء فيها ''ضابط بجهاز الاستخبارات الإيرانية عمل في القاهرة تحت غطاء دبلوماسي استغل ثورة 25 يناير في تجنيد عملاء لجمع معلومات عسكرية وسياسية عن مصر والخليج .. شكل خلايا استخباراتية داخل البلد مقابل مبالغ مالية.. النيابة تحقق معه وتتهمه بالتخابر وتفرج عنه تمهيداً لترحيله بصفته الدبلوماسية'' ثم نشرت صحيفة ''الأهرام'' تفاصيل هذه القضية (الأهرام 30 مايو)، إلا أن إحدى الصحف الخاصة، سارعت إلى نشر خبر يتبنى وجهة النظر الإيرانية وينفي قضية التجسس، بل وأبرزت الصحيفة تشكيك الدبلوماسي الإيراني في التحريات التي قامت بها أجهزة الأمن المصرية.