مؤامرة «الكوفي شوب» على خصوصيتنا

المؤامرة والخصوصية كلمتان لهما نصيب من الكلمات اليومية التي تتردد في أحاديثنا وكتاباتنا ووسائلنا الإعلامية. ويواجه كثير منا الحيرة في مدى صدق وواقعية الكلمتين في القضايا والأحداث، فمرات يميل إلى أنها إيجابية وصادقة، ومرات يرى أنها سلبية وكاذبة. وإذا كانت دقة المعلومة وارتفاع الثقة عاملان أساسيان في التقييم الشخصي لمدى انطباق الكلمتين على الحدث الذي يواجهه فإن الخلفية الثقافية والقناعة ببعض المبادئ والأفكار تلعب هي الأخرى دوراً في استخدام الكلمتين المشهورتين: المؤامرة والخصوصية.
اسمحوا لي أيها القراء الأعزاء بأن أطرح عليكم أمراً يسود أواسط المجتمع السعودي هذه الفترة وأترك لكل واحد منكم إيقاع المؤامرة والخصوصية عليه واستنباط ما يراه في ذلك.
الأمر الذي أعنيه هو انتشار المقاهي الحديثة التي يغلب عليها تقديم المشروبات الحديثة، خاصة القهوة أو الكوفي، كما يردد زبائن هذه المقاهي سواء كانت ''بلاك'' أو بالحليب.
بدأت (الحدوتة) ــ حسب معرفتي ــ في أوائل الثمانينيات الميلادية عندما شهدت بعض الفنادق وجود سعوديين من غير سكانها على غير العادة في اللوبيات وفي فترات المساء وهم يتناولون أكواب القهوة الأمريكية ويتناولون الحديث عن قضايا مختلفة تصب أغلبها في تطلعاتهم لتحديث المجتمع. وكانت كل مجموعة تتكون في الغالب من اثنين إلى خمسة أشخاص كحد أعلى. ومن لم يجد مجموعة ينضم إليها فإنه يتناول جريدة قد تكون أجنبية أو عربية لها مواصفات معينة يغلب عليها الانفتاح والتعدد الثقافي. هذه المرحلة شهدت بعد سنوات افتتاح مقهى ذي علامة عالمية يقدم مع القهوة بعضا من المأكولات غير المعروفة لدى الكثيرين، وبدأ مصطلح الكوفي شوب يأخذ نصيبه كشفرة بين معتاديه. تبع هذا المقهى عدد من المقاهي المشابهة التي استطاعت استقطاب أعداد أكبر، لكن تغيرت التركيبة الاجتماعية حيث دخل الشباب كعنصر جديد له متطلباته الأخرى ومن أهمها سماع بعض من الموسيقى. وكان أهم مميزات هذا التوجه أن أصبح بالإمكان الحصول على وجبة متطورة في أوقات متأخرة من الليل.
وفي أوائل التسعينيات الميلادية انطلق قطار ''الكوفي شوبز'' فأصبح رمزاً من رموز الحياة في المدينة وميزة يتفاخر بها سكان المدن على إخوانهم من المدن الصغيرة أو القرى.
هذه المرحلة شهدت وجود المقاهي ذات الاسم العالمي والمقاهي المحلية ذات الخدمة العالمية. كما أن هذه المرحلة شهدت وبتوسع دخول العنصر النسائي لحياة ''الكوفي شوبز'' سواء بوجود أقسام للعائلات أو أقسام نسائية بحتة.
أما من ناحية السلوك الاجتماعي داخل هذه المقاهي فهناك تنوع من أحاديث ذات صبغة خاصة إلى أحاديث وأحداث عامة مثل متابعة الأخبار والتعليق عليها أو متابعة المباريات الرياضية. وهنا جد جديد في الحياة الاجتماعية حيث أدمن كثير من الناس، خاصة الشباب، متابعة المباريات في المقاهي وأصبحت هي بدورها توفر الأجواء المناسبة للأحداث الرياضية ولم تعد متعة مشاهدة المباريات تكتمل إلا بمشاهدتها على شاشات المقاهي وما يحيط بذلك من أجواء تنافسية وحماسية.
وإذا كان الإقبال على المقاهي قد شهد التنوع العمري من كبار وشباب وصغار إلا أن عنصر الشباب أصبح له حضوره الطاغي، خاصة في الفترة المسائية، أما الفترة الصباحية فهي مخصصة في الغالب لمتوسطي الأعمار وموظفي الدولة والقطاع الخاص وأصبح نوع الإفطار الصباحي يشهد نقلة نوعية، فمن الإفطار في البيت أو في مطعم شعبي يقدم الفول والكبدة إلى إفطار يتكون من الكرواسون والدونات مع كوب من القهوة أو اللاتيه. إنه تغير اجتماعي آخر المسبب له هو الظاهرة الصاروخية في قطاع الأعمال (أي الكوفي شوبز) أو المقاهي كما هو اسمها العربي ولم تعد هذه المقاهي محصورة في المدن الكبيرة، بل انتقلت العدوى للمدن المتوسطة والصغيرة.
لقد أوجدت هذه المقاهي متنفساً ومخرجاً اجتماعياً وأصبحت مكاناً مناسباً ومقبولاً لإدارة الصفقات التجارية وإنجاز الأعمال أو التسلية ولقاء الأصدقاء ولم يعد عيباً أن يتصل بك صديق لم تره منذ مدة طويلة وبدلاً من أن تدعوه إلى منزلك تقوم بالاتفاق معه على أقرب كوفي شوب، ويتمثل تكريم أحد كما للآخر في اختيار الموقع القريب منه كنوع من المجاملة وعدم تحميله الانتقال إلى موقع بعيد.
كل هذا السرد السابق (الذي لا يؤرخ بأي حال من الأحوال للمرحلة وما شهدته من تغيرات اجتماعية وسلوكية)، يهدف إلى فهم وتحليل ما حصل. وهل المؤامرة كان لها دور أم أنه حدث عفوي؟ كذلك هل الخصوصية لدينا تعرضت للاختراق أو عدم الاحترام، أم أن هناك تطورات في مفهوم الخصوصية وأنها ليست قضية جامدة إنما نحن من يعمل ذلك عندما لا نرغب في مسايرة المجتمعات الإنسانية الأخرى في أمرها؟ وهل الانتقال من مرحلة شرب القهوة العربية والشاي في المجلس إلى مرحلة الكوفي والكابتشينو واللاتيه في الكوفي شوب مؤامرة على خصوصيتنا؟
أخيراً هل من حق بعضنا أن يلغي المؤامرة والخصوصية من قاموسه أم أن ذلك نظام إلزامي يعاقب من يخالفه؟ الأمر متروك للجميع لمناقشته وإبداء الرأي حوله.

ماذا لو؟
ماذا لو تم إنشاء مركز أبحاث اقتصادي واجتماعي في كل منطقة معني بمسارات التغير والتطوير الخاص بها وتم ربط تبعيته بأمير المنطقة ومجلس المنطقة لأنهما معنيان بإدارة التنمية المحلية. إن هذه الخطوة ركيزة من ركائز التطوير المطلوبة وستساعد الأجهزة المحلية على دراسة ومتابعة أمور منطقتهم بأسلوب علمي واتخاذ القرارات المناسبة بدلاً من الحلول المستوردة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي