كافئ الفاشلين!

إذا اتفقنا على أن المخاطرة بعقل شرط أساس لأي إنجاز كبير، وأن تحدي الصعب واستكشاف الأماكن الجديدة عنصر مهم لأي تجديد، فلنعلم أيضا أن الخطأ، وأحيانا حتى الفشل، أولى خطوات النجاح.
لا نحتاج فيما أظن إلى أن نبتعد كثيرا في ضرب الأمثلة، كل واحد منا عندما كان طفلا يجرب المشي لأول مرة كم مرة وقع قبل أن يستطيع المشي وحده باقتدار؟ في كل مرة سقطت فيها على الأرض اقتربت من النجاح الكبير في أن تستطيع المشي وحدك. تذكر كل نجاح مهم وصلت إليه في حياتك، تأمل كل إنجاز كبير حققته في مسيرتك، ستجد حتما أن الفشل أو التعثر كان البوابة التي دخلت منها إلى تحقيق النجاح والإنجاز. أغلبية التجارب الكيماوية الجديدة في المعمل تفشل عشرات المرات قبل أن تنجح، ومن كل ألف دواء تقريبا تجرى عليه التجارب وتصرف عليه الملايين ينجح دواء واحد فقط في تخطي كل هذه التجارب والمحاولات ويصل إلى الصيدليات العامة، وتسبق أي اختراع مهم عشرات المحاولات الفاشلة، ومن كل 220 شركة ناشئة في العالم تنجح واحدة فقط. إنها سنة عجيبة لا تنطبق فقط على عالم الماديات، بل حتى في عالم التغيير الاجتماعي والفكري. كل دعوة ورسالة وحركة وتجديد لا بد أن يمر ببوابة الفشل قبل أن يعبر قوس النصر. إذا لم يكن هناك فشل فليس هناك إنجاز عظيم، وإذا لم تجرب الفشل فلن تذوق طعم الإبداع.
لماذا نخاف من الخطأ والفشل إذن؟ لماذا يمنعنا خوف الفشل من أن ننطلق في تجربة الجديد وملاحقة الإبداع؟
إنها الروح نفسها الخالدة إلى السكون، المتصالحة مع الواقع، المنغمسة في العادي، المتلذذة بالراحة التي منعتنا من قبل من المخاطرة. إنها العقلية نفسها التي تخاف من النقد، وتحسب حسابا لما سيقوله الناس، وتبالغ في الحفاظ على الوجاهة الاجتماعية، وتعتقد أن الخطأ أو الفشل هو نهاية الطريق. تماما كما قال((( ذاك))): "إذا أردت ألا تخطئ أبدا ولا تنتقد مطلقا فلا تقل شيئا ولا تفعل شيئا ولا تجرب شيئا".
دلت الدراسات الإدارية المتعددة على أن نسبة الفشل إلى النجاح في حياة كل منا هي نسبة ثابتة، بمعنى أن كل نجاح ستحققه يكون هناك عدد محدد من مرات الفشل التي تسبقه، ويتكرر ذلك مع كل نجاح. وبالتالي فإذا أردت فعلا أن يزيد عدد مرات نجاحك وتتضاعف إنجازاتك فلا بد أن تتوقع أن تزيد وتتضاعف مرات فشلك!
ولذلك اقترح بوب ستون في كتابه الفريد "أفكار غريبة ولكن فعالة" أن تتم في الشركات والمؤسسات مكافاة الفشل مثلما تتم مكافاة النجاح! هل تصدقون؟ هو يقول: الموظفون والعاملون في أي مؤسسة من حيث الابتكار والتجديد ثلاثة مستويات: مستوى الناجحون دوما، ومستوى الذي يجربون أشياء جديدة ومبدعة فيفشلون حينا وينجحون حينا، ومستوى الذين لا ينجحون ولا يفشلون لأنهم لا يحاولون شيئا جديدا أبدا. ويقترح ستون هنا أن تكون أعلى المكافآت وأجزل العطايا من نصيب موظفي المستوى الثاني، أي الذين يحاولون فيفشلون وينجحون، لأنهم غالبا ما يجددون ويطورون العمل وغالبا ما يولدون أفكارا جديدة وطرقا مبتكرة في الأداء والإنجاز، ويسمى هذا النوع من الفشل: الفشل الخلاق أو الفشل الذكي. يأتي بعدهم الذي ينجحون دوما، فهم بلا شك متميزون، لكنهم في الغالب غير مجددين ولا مبدعين وأغلبيتهم روتينيون وقلما يصلون إلى شيء عظيم. ويأتي أقل المستويات هم الذين لا ينجحون ولا يفشلون وذلك لأنهم لا يحاولون أصلا ولا يصنعون شيئا أبدا، وهؤلاء لا بد من معاقبتهم ـــ في رأيه ـــ أو التخلص منهم! إنهم يقتلون الإبداع ويجرون المؤسسة إلى الرتابة.
إذا تذوقت الفشل إذن بعدما طبقت فكرة جديدة أو طورت أسلوبا خلاقا أو مارست تجربة مبتكرة أو سوقت منتجا مبدعا، فلتعلم أنك على الطريق الصحيح للإبداع والتميز، تعلم من هذه التجربة وانطلق إلى التي بعدها بعزيمة أكبر، استفد من أخطائك وبادر إلى المهمة القادمة بذكاء أكبر، ولتتذكر أن النجاح ينتظرك عند منعطف الطريق فاستعد للنجاح.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي