تدخل المجتمع الدولي

أدى ما يُعرف بتدخل المجتمع الدولي في ليبيا وما يدور حوله من لغط حتى من قبل الثوار ذاتهم، إلى علامات استفهام كثيرة، فالمفترض بما يسمى المجتمع الدولي عبر مؤسستيه الرئيسيتين، مجلس الأمن بالدرجة الأولى، بما لقراراته من إلزامية، والهيئة العامة للأمم المتحدة الأقل شأنا وقيمة، أن يعبر عن شرعية دولية توافقت عليها جميع دول العالم، وهذه الشرعية يناط تطبيقها به وحده حتى تكتسب فعلا شرعيتها، ويُفترض أيضا أنها تطبق على كل الحالات المتطلب تدخله فيها لحفظ الأمن ولأسباب إنسانية لحماية الشعوب من أي عدوان عليها داخليا وخارجيا دون تفريق أو معايير مختلة، كما هو حادث مع إهمال وتعام عن الشعب الفلسطيني، وهو يتعرض لكل ألوان العدوان الصهيوني المستمر عليه.
هذا هو المفترض، أما ما هو حادث حاليا في ليبيا من تدخل دولي فهو غير ذلك تماما، فما يسمى اليوم الشرعية الدولية ما عادت تمثل فعليا شرعية دولية بقدر ما هي ''شرعية'' القوى المنتصرة في الحرب الباردة وصراع الكتلتين الشرقية والغربية بعد هيمنة الغرب على القرار الدولي بما له من ثقل في مجلس الأمن بوجود ثلاثة من الأعضاء الخمسة الدائمة العضوية والمالكة لحق النقض من دوله، وتناقص بل تآكل الدور الروسي المتمثل في عدم قدرته على استخدام حق النقض ضد قرار لم يتقبله، وسلبية الصين لغياب البُعد السياسي في دورها عالميا، وتحول مجلس الأمن المشرع للقرارات الدولية الملزمة إلى مطية لهذه القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، بمعزل عن أي توافق دولي هو وحده ما يعطي لقراراته في الشأن الدولي شرعية حقيقية، وشاهد ذلك الحالة الليبية التي أصدر المجتمع الدولي من خلال مجلس الأمن حيالها قرارا بالتدخل لحماية الشعب الليبي من تعسف نظام القذافي في مواجهة ثورة الشعب ضده، فمجلس الأمن ذراع ما يسمى الشرعية الدولية الأقوى، وهي شرعية ثبت أنها مختطفة باسم المجتمع الدولي لمصلحة دول كبرى، أصدر قرارا بحظر جوي على ليبيا لمنع القذافي من استخدام سلاحه الجوي لضرب الثوار، ووجد هذا القرار موافقة دولية وصدى إيجابيا من الجميع، ولكن آلية تطبيقه وتنفيذه لم تكن كذلك، فمجلس الأمن اكتفى بإصدار القرار ثم غاب عن الصورة تماما بتركه التنفيذ والتطبيق بيد الثالوث الأمريكي البريطاني الفرنسي، الذي اعتراه حماس منقطع النظير لتولي أمر تنفيذ القرار، ثم في فترة لاحقة نقل الأمر برمته لحلف الناتو، وعلى ذلك برز اعتراضان: الأول انصب على أن القرار الدولي حدد بفرض حظر جوي على ليبيا، وليس العمل العسكري المباشر على الأرض، وتطبيق أي حظر جوي يستلزم فقط القيام بدوريات جوية تمنع تحليق طائرات، وتملك حق الدفاع عن نفسها فقط كما حدث مع الحظر الجوي الذي طبق على العراق. والآخر أن مجلس الأمن كان عليه تشكيل قوة دولية بقيادة الأمم المتحدة لتنفيذ القرار لا بتركه بيد دول محددة ومن ثم لحلف عسكري له أجنداته، ويعبر عن مصالح دوله غير المرتبطة بشرعية دولية محددة بميثاق أممي.
من هذا وجد التدخل الدولي في ليبيا تحفظات كثيرة، واتهاما بتجاوزات تتخطى مضمون القرار، وعدم فاعلية ضد قوات القذافي بمنعها من استهداف المدنيين، وهو ما دفع الثوار لا لتوجيه انتقادات فقط، بل اتهامات لهذا التدخل وعدم جديته والتزامه بحماية الشعب الليبي، وهو ما يضع تعريف المجتمع الدولي بشكله الحالي محل سؤال، وما يسمى الشرعية الدولية المختلة المعايير محل شك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي