رؤية جديدة للغرف التجارية والصناعية

فرضت الأوامر الملكية الكريمة بُعداً تنموياً مهماً وإعادة ترتيب أولويات العمل والاقتصاد الوطني، فأصبحت السعودة في قمة أولويات العمل الحكومي، والإسكان ركيزة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ووُضع في الاعتبار التزامات المملكة الدولية من خلال قمة العشرين بالإنفاق الحكومي للتنمية وارتفاع مداخيل الخزانة العامة وما تعكسه من زيادة في الإنفاق من خلال ميزانيات الخير الدائمة منذ سنوات والمتوقع لها الاستمرار لعقد كامل من الزمان ـــ إن شاء الله ـــ تنفق فيه تلك الميزانيات وتعزز من الاحتياطات الضخمة للأجيال مع ما تضمنه من دعم لمختلف صناديق الدولة في ظل تشديد لأوجه الرقابة بمختلف أنواعها من خلال هيئة التحقيق والادعاء العام أو هيئة الرقابة والتحقيق أو ديوان المراقبة العامة ووزارة التجارة والصناعة وتعزيز ذلك بهيئة مكافحة الفساد في ظل إنشاء فريق دائم مفرغ للمتابعة بالديوان الملكي.
وأخذ في الاعتبار الانتهاء من الخطة الاستراتيجية الصناعية والتوسع في إنشاء المدن الصناعية، وطُرحت المشاريع العملاقة لتوسعة الموانئ البحرية وتوسعة المطارات واستحداث الطرق الجديدة عبر البلاد وتأمين النقل البري بالسيارات والقطارات للبضائع والمسافرين والحجاج، وعزمت الدولة على استكمال مشروعات تطوير أواسط المدن ومشروع إعمار مكة المكرمة، وعلى تطوير مشاريع البتروكيماويات ومحطات الطاقة والمياه، والمضي في مشروع الملك ـــ حفظه الله ـــ لتطوير القضاء إلى غيرها من المشاريع في مجالات التعليم والصحة.
كل ما تقدم يجعل المجتمع الاقتصادي والقطاع الخاص أمام تحديات كبرى للتطور والتطوير ليواكب هذا الزخم الحكومي الكبير والعملاق وغير المسبوق لاغتنام الفرص وتحمل المسؤولية الوطنية لتنمية المجتمع كشريك فعلي للقطاع الحكومي وهو ما يتطلب تغييرا جذريا في واقعه وآلياته ليؤكد على شراكته المطلوبة.
نعم لقد كانت الغرف التجارية والصناعية وما زالت مظلة ظليلة وارفة الظلال على القطاع الخاص منذ تأسيسها وقامت بأدوار مهمة وبارزة وجبارة أثرت وأسهمت في تطويره ونهضته ليحتل مكانته المرموقة في المجتمع الاقتصادي وليؤدي دوره في خدمة الوطن.
وقد شبت في رعاية الغرف أنشطة اقتصادية واجتماعية وثقافية كثيرة في صورة لجان منبثقة، وكان للغرف الفضل الأكبر في حماية اللجان في نشأتها وفي توجيهها ثم في معاونتها في تطوير نشاطها، ولكن آن الأوان لأن تنفصل هذه اللجان عن الغرف التجارية الصناعية وتكون لها غرف متخصصة وأن تلحق وتشارك الجهات الحكومية ذات الصلة بنشاطها.
ومثال ذلك أعمال المقاولات الجبارة والضخمة والتي تفوق 500 مليار ريال سنوياً مما يزيد الحاجة إلى إنشاء غرف للمقاولات والإنشاءات الهندسية لتكون ذات صوت أقوى ورؤى أوضح وأكبر للشراكة مع مختلف سلطات الدولة وقطاعاتها المختلفة على الأقل في المدن الكبرى.
ومن المفيد أن تتحول اللجان الزراعية إلى غرف زراعية في مدن مثل الأحساء والقصيم وتبوك وجيزان لتشارك وزارة الزراعة وصندوق التنمية الزراعي في التنمية الزراعية، ومن المناسب تحول اللجان البحرية في الشرقية وجدة ورابغ وينبع وجازان إلى غرف ملاحية لتشارك المؤسسة العامة للموانئ ووزارة النقل في تطوير أعمال الموانئ والنقل البحري، وكذلك الأمر فإن اللجان السياحية الآن في حاجة إلى أن تتحول إلى غرف سياحية في جدة والخبر والطائف وأبها وحائل والباحة لتشارك الهيئة العامة للسياحة والآثار للتنمية السياحية والمسؤولة عن تشغيل أكثر من مليوني عامل سعودي خلال السنوات العشر المقبلة في حال أخذت التنمية السياحية حقها ووضعها الطبيعي في الانطلاق، وحتى القطاع المالي والمصرفي في حاجة لأن تكون هناك له غرفة مالية تضم البنوك وشركات التأمين والوساطة المالية والتمويل والتقسيط والتأجير لتتعامل مع وزارة المالية ومؤسسة النقد وهيئة السوق المالية، وذات الأمر على القطاع العقاري في حاجة إلى أن تكون له غرف تنظمه فهو يتعامل مع وزارة العدل وكتابات العدل وصندوق التنمية العقاري ويكفيها أن تلبي احتياجات ومتطلبات تنفيذ نظام التسجيل العيني للعقار الذي يحتاج إلى عشرات السنين ومئات الموظفين لإكمال وإتمام المرحلة الأولى فقط من النظام.
هذه أمثلة، وقد تكون هناك لجان أخرى حاجتها أكثر إلحاحاً لأن يكون لها كيان قائم بذاته.
وبعد مرور ثلاثة أرباع قرن من الزمان على إنشاء أول غرف المملكة في جدة أصبح من اللازم إحداث التغييرات الجذرية لنظامها الذي لم يعتريه التعديل والتطوير منذ سنوات بعيدة بل من الضروري تحديثه ليستوعب المستجدات والمتغيرات في عصر العولمة والاختصاص والتنوع بعد أن تغيرت جميع المعطيات الاجتماعية والاقتصادية والقانونية.
بل إن الغرف التجارية الصناعية الحالية ــــ بعد تحديث نظامها ــــ يمكن أن تنفصل إلى غرف تجارية وأخرى صناعية لإعطاء كل منها حقها وقدرتها على الحفاظ على المكتسبات وتنميتها والنهوض بها، وبالتخصص الدقيق سيكون هناك أكثر من 30 لجنة مختلفة التخصص في التجارة و20 لجنة متخصصة في الصناعة ستجعل لكل قطاع بروز أكبر ومساحة أفضل لنقاش الواقع والمستجدات وطرح الحلول، كما أنه سيزيد من مساحة الرأي المتاحة لعدد أكبر من رجال الأعمال كل في مجال تخصصه وهو ما ينعكس إيجابياً على قطاعه وعلى شريكه الحكومي وأيضاً على السلطة التشريعية، وكذلك على الثقافة الحقوقية والقضائية التي ستتحول إلى محاكم متخصصة وقضاة متخصصين.
وأكثر من ذلك فإنه إزاء النهضة المعاصرة لا يكفي وجود مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، بل إن الأمر في حاجة لأن يكون هناك اتحاد للغرف السعودية بكل أنواعها وأن يكون مستقلا مالياً وإدارياً عن سيطرة وهيمنة الغرف المتخصصة ليقوم بواجبه كممثل حقيقي للقطاع الخاص بكل أنواعه وأطيافه وتخصصاته وأن يتيح له النظام بأن تكون له ميزانية مستقلة، وأن يكون صاحب سلطة وصلاحية أكبر في تمثيل الغرف والقطاع الخاص.
والدعوة إلى تخصص القطاع الخاص في كيانات غرف مستقلة ستنعكس إيجابياً في ترسيخ ثقافة الانتخابات على شرائح أكبر من رجال الأعمال، وبالتالي تنعكس على باقي شرائح المجتمع المدني ومؤسساته التي ستضطر ــــ نتيجة لتخصص قطاع الأعمال ــــ للارتقاء بمستوياتها المهنية في جميع المجالات المهنية كالقانون والاقتصاد والمالية والإدارة.
إنني أجزم بأن صالح عبد الله كامل شخصية قيادية عُرفت بحب الوطن والاستثمار فيه وتشجيع التوطين وصاحب الرؤية المستقبلية للاقتصاد الوطني المبني على أسس تتفق وصحيح الشريعة الإسلامية في إعمار الأرض، شخصية قادرة بعون الله ورجال الأعمال المخلصين على إحداث مثل هذه النقلة النوعية المهمة والضرورية للغرف ومجلسها بما ينقلها إلى مرحلة النضج بالقدر الكافي إلى الكمال اللازم والضروري لتتمكن من مشاركة القطاع الحكومي وجميع سلطات الدولة.
ولا أخال أن وزير التجارة والصناعة وهو القادم إلى وزارة التجارة من عائلة تجارية صناعية عريقة ومعروفة ــــ ومن أحضان الغرف التجارية ــــ متطلع لرؤية تطويرية كبرى للغرف ومجلسها ظهرت بوادرها الأولى باجتماعه ودعمه مع رؤساء اللجان الوطنية.
إنني أتطلع من مقترحي هذا إلى أن يتحول مجلس الغرف التجارية والصناعية إلى اتحاد للغرف السعودية يقود نشأته التأسيسية شخصية قيادية اقتصادية عرفت بالمبادرات ولديها رصيد كبير من الخبرات التراكمية مثل صالح كامل.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي