البطالة في خبر «كان».. والسكن «سيكون»
يمكن القول إن قرارات الجمعة المباركة هي قرارات داعمة ولبنة ثانية لتنفيذ القرارات السابقة التي صدرت حين وصول الملك عبد الله من رحلته العلاجية، وهي إضافة قوية لدعم الحالة المعيشية والصحية والأمنية والدينية للمجتمع، وتأكيد أن الأمن - بالنسبة للمواطن والمقيم - هو من أهم أوليات وقتنا الحالي في وقت تعيش فيه منطقتنا اضطرابات شعبية لم تشهدها من قبل. والأمن يؤدي إلى الاستقرار وإلى تهيئة البيئة لتنفيذ تلك القرارات، خصوصاً تلك الهادفة إلى القضاء على البطالة وتوفير السكن وهما أساس الحياة الكريمة لأي إنسان. ويمكن الفهم من تلك القرارات أن الدولة اتخذت خطوات قوية للقضاء على البطالة بتحديد حد أدنى للأجور لن يقل عن ثلاثة آلاف ريال، وبدل إعانة بطالة لا تقل عن ألفي ريال، مما يعني وداعاً لوظيفة أقل من مبلع الألفي ريال، وهو ما قد يرفع التكلفة بصورة عالية. ومع صرف راتب شهرين لموظفي الدولة، وزيادة التوظيف في القطاعين العسكري والمدني، فإن ضغوطا تضخمية ستحدث في المدى القصير. ولعل القرارات الملكية لم تهمل معالجة هذه النقطة بقرار يدعو إلى توظيف ما لا يقل عن 500 موظف لتقوية الدور الرقابي لمراقبة الأسعار. ورغم أهمية هذا القرار إلا أن ضغوطاً تضخمية ستحدث في المدى القصير، بسبب التوقع بارتفاع الأسعار عالمياً، وارتفاع السيولة بسبب زيادة الإنفاق الحكومي، حيث من المتوقع أن يشهد القطاع العقاري انتعاشاً قوياً مع زيادة قرض الصندوق العقاري إلى 500 ألف ريال، وبناء 500 ألف وحدة سكنية، يساندها في ذلك زيادة دخول المواطنين جراء مزيد من التوظيف وزيادة أجورهم. ومن المتوقع أن يكون لسوق الأسهم نصيب من فائض تلك المداخيل، الأمر الذي يجب التنبيه إلى ضرورة الدخول في الشركات الاستثمارية ذات المراكز المالية القوية والابتعاد عن شركات المضاربة. وفي اعتقادي أن الإنفاق الاستهلاكي قد لا يرتفع كثيراً بسبب ارتفاع الأجور والمرتبات الأخيرة إذ إن معظم الإنفاق من فائض تلك الزيادة قد يتوجه للادخار والاستثمار مما يجعل أي ارتفاعات في السلع الاستهلاكية أمرا غير مبرر.
ويجب النظر إلى أن إنشاء هيئة عليا لمكافحة الفساد أنه بداية لتحقيق العدالة، بدءا من التحقق من وجود تشريعات وأنظمة وإجراءات عادلة تسد كل ثغرة تؤدي إلى فساد، بدءا من إعلان الإفصاح والشفافية وتضارب المصالح في القطاعات الحكومية والخاصة. فالهيئة يجب ألا تكون مستودعاً لاستقبال شكاوى الفساد بقدر ما تكون سباقة إلى وضع تشريعات وأنظمة واحدة للقضاء عليه. إن ذلك سيحقق الطمأنينة والعدالة والشعور بالمساواة بين المواطنين والمستثمرين والعاملين كل في مجاله مما يخفف من حدة الإحساس بالظلم والتفرقة على أية أسس كانت.
إن المطلوب الآن هو شعور المواطن بعظم المسؤولية الملقاة على عاتقه في العمل بإخلاص وزيادة إنتاجيته بصورة تتوازى مع تلك الزيادات. فمن المتوقع أن تؤدي زيادة الأجور وزيادة الوظائف في القطاع الحكومي إلى توجه الباحثين عن عمل من السعوديين إلى القطاع الحكومي، مما يشكل ضغطاً أقل على القطاع الخاص. لذا فإن أحد القرارات الملكية الأخيرة شدد على وجوب اجتماع وزير العمل والتجارة مع رجال الأعمال لإيجاد حلول قد تكون مشابهة لما أقدمت عليه الحكومة من إجراءات للقضاء على البطالة. فقد يتبنى القطاع الخاص حدا أدنى للأجور لا يقل عن ثلاثة آلاف ريال، والالتزام بتوظيف المواطنين بنسب أعلى مع توفير بيئة العمل المناسبة لتشجيع السعوديين على الانضمام للقطاع الخاص. ومع ذلك فإن التحديات الكبيرة التي تواجه توظيف السعوديين في القطاع الخاص هي التوقع بتدفق أعداد كبيرة من العمالة الوافدة للعمل في السعودية، وستكون الاضطرابات الحالية في المنطقة دافعاً قوياً لتلك العمالة للقدوم إلى المملكة والبحث عن عمل مما سيخفض من أجور العمالة الوافدة. لذا فإن من المهم معالجة التدفقات المتوقعة من العمالة الوافدة باتخاذ قرارات مناسبة في هذا الاتجاه.