مفهوم الحرية بين الوحشية والجريمة

من السهل جدا تحقيق الاتفاق على مفهوم الموضوعية في المجالات العلمية البحتة، ولكن في المقابل، فإنه من الصعب جدا تحقيق الاتفاق على الموضوعية في المجالات النظرية، وتحديدا الفلسفية، لذا يكون الاختلاف كبيرا بين الناس عند تناول أي من الموضوعات النظرية، بل إن تقييم الموضوع النظري الفلسفي والحكم عليه يعتمد على عوامل عدة لعل أولها الوعي الفكري للأفراد، أما بعد ذلك تأتي عوامل أخرى مساعدة مثل الثقافة الاجتماعية على سبيل المثال وليس الحصر.
إن الموضوع الفلسفي والأهم على الساحة الإعلامية العربية أخيرا هو طرح مفهوم "الحرية"، وهو المصطلح الذي يخرج بسلاح ذي حدين ليس لأن أحد جوانبه سيئ، ولكن لأن أحد جوانبه يساء فهمه دائما من قبل كثيرين، فالبعض يعتبر أن مفهوم الحرية هو الإقدام على أي تصرفات أو سلوكيات دون الاندراج تحت أي قانون أو أي خطوط حمراء، والبعض يرى أن الحرية هي في انتهاك حقوق الآخرين، والبعض يرى أن الحرية هي تجاوزات دينية أو أخلاقية، ولكن هؤلاء كلهم يرون أن لا حق لأي طرف كان أن يقف أمام ما سمي بـ"الحرية" من منظورهم، إن مثل هذه الاعتقادات لمفهوم الحرية هي اعتقادات عقيمة، ولكنها تشكلت للأسف في أذهان بعض من الناس في كثير من المجتمعات حتى قولبتهم في إطار صنع الجريمة، ومع ذلك يظلون ينادون بتلك الجرائم على أنها حريات، ليس لأحد أن يسلبها منهم، وكل ذلك تحت مفهوم "الحرية".
إن الحرية لا تعني سوى الفساد الاجتماعي والأخلاقي والديني إذا ما تجردت من قوانين صلاح البشرية، ولعل الدين الإسلامي بوسطيته الحكيمة حقق كثيرا من مفاهيم صلاح البشرية، وتقويمها فليس من المنطق أن تنتهك حقوق الآخرين حتى نكون أحرارا في تصرفاتنا، وكثير من القوانين الوضعية في العالم تفعل ذلك، ولكنها تنكر ما تقدم عليه من جرائم لتخرج بصورة أكثر كمالا، إن التاريخ يكتب نفسه بنفسه، ونحن نعيش الآن مراحل تاريخية في تدوين مفهوم الحريات لدى كثير من الشعوب على أنه ليس إلا رديف لمفهوم القتل والعدوان والاغتصاب والخطف والسرقات، ما هو تفسير الحريات لدى البعض عندما تدفع تلك الحريات إلى الدمار، بل إن الحرية الوحشية التي تمارس لا تختلف كثيرا عن حرية الحيوانات المفترسة عندما تهرب من خلف القضبان، نحتاج إلى أن تكون مجتمعاتنا العربية أكثر وعيا، ونحتاج منها أن تكون أكثر تقديرا للأمور من حولها، وما يجب أن يدركه الجميع هو أن هناك من حولنا من أعدائنا من يستفيدون من أخطائنا لصالحهم، هم يستفيدون من الفوضى، والقتل، والسلب، لنكون الأضعف، ويكونون الأقوى، فالحرية دائما هي ما ينطلق من فطرة الإنسان التي خلقه الله عليها في تحقيق البناء والعمار في الأرض، وليست شيئا غير ذلك.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي