شبابنا.. إلى أين؟ (2)

ذكرت في الجزء الأول من هذا المقال أن أولى خطوات تصحيح الانطباعات السلبية والصورة الذهنية المسبقة عن الشباب, هي تطوير خطابنا الشبابي وإعادة ضبط رسائله: المرسلة والمتلقية؛ حتى تُتَاح لشبابنا حُسن ويُسر وسهولة الاستقبال؛ لأنه إذا كنا نتحدّث عن الشباب ونكتب عنه دونما النجاح في العبور لاجتياز ثقته وكسب ودّه وقناعاته؛‏ فهذا في اعتقادي، لا يعني سوى شيء واحد: اتساع الفجوة التي تفصلنا عنهم والحد من فرص تواصلنا معهم‏‏! وأكّدت على أن ردم هذه الفجوة لا يأتي إلا عن طريق المزيد من الحوار، والحوار المنشود، الذي نعنيه أن يعتمد على خطاب شبابي يتصف بالعصرية والتواضع والعقلانية.
وأضيف بالتأكيد على ضرورة أن يتحلّى هذا الخطاب العصري بأدوات العصر؛ فيخاطبهم بوسائلهم المستخدمة، عن طريق شبكة المعلومات العالمية (إنترنت)، ومحاورتهم بلغة عصرهم عبر الندوات الإلكترونية؛ والتواصل معهم عبر الندوات، التي تستخدم وسائط الإعلام الحديثة بعيدًا عن الجلسات التي تشبه مجالس العزاء، أو مجالس النصح والإرشاد التي توزع الحكمة يمينًا ويسارًا‏!‏
وحينما أكّدت تواضع هذا الخطاب مع الشباب، إنما قصدت الاقتراب منهم دونما استعلاء، واستخدام لغة تنطوي مفرداتها علي احترام أكثر لهم‏؛ وتوظيفها لحيازة‏ ثقة أوسع‏.‏ وهو ما نفتقده من أسف أحيانًا حتى في مؤسساتنا التربوية والتعليمية والجامعية‏!‏ وليس سرا أن مشاعر الخوف والقلق وربما الكآبة التي تجتاح كل صباح نفوس الصغار والتلاميذ لدينا وهم يتوجهون إلي مدارسهم لا نظير لها في المجتمعات المتقدمة‏.‏
وحينما أصف هذا الخطاب الشبابي المنشود بالعقلاني أيضًا، فإنما أعني ضرورة أن يُحّتَكم فيه إلي العقل، كما نركِّز فيه أيضًا على قيمة التجربة في حوارنا معهم‏.‏ والاحتكام إلي العقل إنما يعني التحلي بالواقعية؛‏‏ فلم يعد هؤلاء الشباب تحرِّكه التعبيرات العاطفية، التي تدغدغ المشاعر، أو الشعارات البرّاقة والرنانة التي يرونها‏,‏ أنها تتجاوز، بل تجافي الواقع والحقيقة‏!
ولا ننسى الإحاطة بما يفكر فيه هؤلاء الشباب الواعد، ونحاول الإجابة عن التساؤلات التالية: ما يحوزه الشباب من معطيات حاضره وتحديات مستقبله‏؟‏ وكيف يدير تطلعاته وأحلامه؟ وما الذي ينبغي أن يتغير فيه، ويطوره كي يتزود بقيم التقدم ويتسلح بمهارات العصر؟‏ وما هذه القيم والمهارات اللازمة لاستشراف آفاق المستقبل في عالم لا تحكمه، غير معايير المنافسة وشروط النوعية والتميز‏؟!
وقيمة التجربة، التي نحتكم إليها أثناء حوارنا مع الشباب،‏‏ تعني أن يركِّز هذا الخطاب الشبابي المنشود على الإعلاء من شأن التجارب الخاصة والناجحة منها سواء كانت تجارب للأفراد أم الشعوب‏؛ فقصص النجاح الإنساني ذات تأثير خاص وسحر لا يقاوم بالنسبة للأفراد عموما والشباب والنشء علي وجه الخصوص‏؛ كونها تثير الخيال وتوقظ الهمم وتستنفر القدرات بأكثر مما تحدثه محاضرة تفيض بالمواعظ والحكم‏!
‏وهنا يحق لنا أن نتساء‍ل: لماذا لا تتوافر سلسلة ملَّخَصة عن أفراد متميزين مروا بتجارب ناجحة؛ أو تتناول أممًا تقدمت تُقَدَّم لشبابنا؛ لاستلهام العبر والعظات، مثل: قصة النهضة اليابانية أو الألمانية في العقدين التاليين للحرب العالمية الثانية‏,‏ أو قصة الطفرة الكورية أو الماليزية التي تحققت في فترة لا تتجاوز 20 عامًا؟‏‏ ولماذا لا نقدِّم لهم أيضا تجارب وقصص النجاح الفردي في ميادين العلم والفكر والرياضة والاقتصاد والفن لأعلام تسنَّموا بإرادتهم قمم الجبال، والمعاناة وتجاوزوا بحور الصعاب وقسوة الظروف وشظف العيش، حتى بلغوا ذرى المجد وشواطئ النجاح؟!
مثل هذه القصص التي يحتاج شبابنا إلى الاطلاع عليها، تلَّخِص بأحداثها وشخوصها دون مقدمات أو نظريات كل قيم وشروط التقدم الناجح‏,‏ بدايةً من التشبث بالحلم وتحديد الإنسان أهدافه وأولوياته، مرورًا بوضوح هدفه‏,‏ واستنهاض الإرادة‏‏ والمثابرة‏,‏ نهايةً بالعمل الجاد، والثمرة الطبيعية لهذا العمل, فيعرف هؤلاء الشباب قدراتهم، ويدري أن من أهم العوامل في التفوق هي إدراك الفرد مدى قدراته فلا يعطي نفسه أكثر من قدراتها ولا أقل من إمكاناتها؛ ويحدًّد طموحاته وأهدافه، وصولاً إلى مبتغاه، فيختار مساره الحياتي.. التعليمي المستقبلي ولا يترك الصدفة تختار مستقبله؛ إذ لا تخلو كل قصة نجاح من التزام رائع وصارم بكل هذه القيم والشروط‏.‏
القضية الثانية‏:‏ أهمية اتخاذ إجراء دقيق وصريح لتشخيص واقع شبابنا اليوم‏,‏ وهو واقع يمكن إيجازه بأنه قطاع حيوي ومهم، يشكّل ما نسبته الثلثين من إجمالي عدد السكان‏,‏ ويزخر بطاقات كامنة ومهدورة‏,‏ إن لم يكن بسبب موهبته‏,‏ فعلى الأقل بتأثير مرحلته السنية القادرة علي النشاط والعمل والعطاء‏، ولا ننسى أن شعوبًا كثيرةً تحسدنا شبابية أمتنا في ظل ما يعرف في الغرب بظاهرة الأمم العجوزة!
وأيا كانت درجة الدقة أو مدى المبالغة في تصوير ذلك‏؛‏ فإننا نتساءل‏:‏ هل كان غياب القطاع الشبابي،‏ نتيجة طبيعية لغياب مشروع وطني يحتويهم، وكان بدوره كفيلا بشحذ همتهم وإطلاق طاقتهم؟‏ أم أن هذا المشروع الوطني ما زال متوافرًا وموجودًا بالفعل‏,‏ لكننا لم نحسن اكتشافه وتقديمه إلى شبابنا؟!‏‏ ولماذا لا يكون الانتصار لحقوق الشباب‏ ودفع عجلة التنمية ركيزتين لمشروع وطني جديد، يمثِّلان جناحي طائر، ينطلق من عمق الوطن ليستشرف آفاق المستقبل؟

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي