غرسنا
ما الذي نحاول أن تغرسه في أطفالنا أثناء تربيتنا لهم؟
ما المعارف والمهارات والإمكانات التي نحاول أن نسلحهم بها قبل أن نطلقهم في مضمار الدنيا يسابقون فيها على نجاحاتهم وآمالهم الشخصية؟
هل هي ثروة تغنيهم وتكفيهم مئونة أعباء الحياة وسؤال الناس؟ هل هي قطعة أرض يتقاسمونها؟ هل هو منزل واسع فاخر يؤويهم ويضمهم؟ هل هي شقة في باريس أو لندن أو دبي؟ هل هي شهادة تفتح لهم أبواب المستقبل؟ هل هي جواز سفر أزرق أو أحمر أو أخضر؟
ما الأشياء التي علينا أن نتركهم بها لنضمن مستقبلهم ونطمئن عليهم؟
على كل صاحب أسرة وكل أب وأم أن يتوقفوا الآن ويتأملوا هذا السؤال.
كثيرا ما يحيرني هذا السؤال كما حيركم، إذ إن المستقبل غامض ويصعب جدا التكهن بما يحتاج إليه الإنسان فيه. غير أني أظن أن ثمة ثلاثة عناصر لابد أن نركز عيها لتكون إطارا عاما لما نريد أن نغرسه في أطفالنا لتجهيزهم للمستقبل.
أولها: معرفة الله. معرفة الله التي تورث حبه وتقواه. المعرفة التي تدلهم على الخير وتمنعهم من الشر، المعرفة التي ترقى بخلقهم مع الناس وسلوكهم في المجتمع. المعرفة التي تربي عندهم الضمير الحي والنفس اللوامة التي تصحح طريقهم مهما عثروا وتصوب سلوكهم مهما حادوا. هذه المعرفة لابد أن يصاحبها حب ومعرفة بالقرآن الكريم، معين الحكمة التي لا ينضب، واقتداء عميق بشخصية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تكاملها وتوازنها ورحمتها بالخلق.
وثانيها: أجنحة يستطيعون من خلالها أن يحلقوا في فضاءات الحياة. أجنحة تمكنهم من النمو والتطور والتغيير والتجديد. ومن أمثلة هذه الأجنحة:
• روح إيجابية تعطيهم الأمل بغد أفضل وتشحذ همتهم باستمرار إلى المزيد، تملأ حياتهم دفئا ونورا وتشع على من حولهم. لأنه إذا لم يكن عندهم طاقة داخلية فلن يستطيعوا أن يتموا أي مشروع عظيم. هذه الروح تتسم بالمبادرة والمثابرة وتتميز بقدرة على صناعة الأحلام وتحويلها إلى واقع.
• عقلية إيجابية متفتحة على البدائل تؤمن أن لكل مشكلة حلا وأن عليها التركيز فيما تستطيع بدلا من التركيز فيما لا طاقة لها به. هذه العقلية تحسن التعامل مع الواقع كما هو، وتستفيد من الفرص المتاحة، وتبدع الحلول بدلا من أن تصنع المشكلات. وكما قالوا: "أكثر الناس إعاقة في هذه الدنيا هو صاحب التفكير السلبي".
• قدرات في التفكير تسمح لهم بتقبل الجديد، واستقلالية القرار، والتحليل المنطقي، والتفكير خارج الصندوق، وتحدى المألوف، وتقبّل الرأي الآخر، والتعلم من الأخطاء. قدرات تسهّل لهم التعلم والاكتشاف.
• مهارات اجتماعية في التواصل والحوار، والعمل في فريق، مع قدر كبير من الثقة بالنفس والشجاعة المقرونة بالتواضع.
• عادات إيجابية لها نتائج تراكمية على المدى البعيد مثل القراءة، الاستخارة، الرياضة، العادات الصحية في الطعام وأمثالها.
كل هذه العناصر مجتمعة تمنحهم أجنحة يطيرون بها إلى حيث يشاءون.
وثالثها: شخصيات سوية معتدلة ومتوازنة ناتجة من بيئة تربوية صحية، يسودها الحب، فيها ذكريات جميلة، تكثر فيها الأحضان والقبل والكلام الطيب الجميل، يشعر فيها كل أفراد الأسرة بمكانتهم وشخصيتهم. تقبل الاختلافات الفردية وتسمح بالتعددية. بيئة تغرس في أفرادها حب الخير للآخرين وتقدير خصوصيتهم. تربي أفرادها على احترام النظام والبعد عن الفساد، وتقدير معاني الخير والجمال والحرية والعدالة كمنهاج حياة.
هي إذن، عناصر ثلاثة، أولها جذور ينبتون منها وهي معرفة الله، وثانيها أجنحة يطيرون بها يواجهون بها مصاعب الحياة وتحدياتها تمكنهم من الوصول إلى ما يريدون مهما كان بعيدا، وثالثها: شخصيات سوية مستقرة متوازنة نبتت من بيئات تربوية صحية.
هذه العناصر الثلاثة (فيما أظن) هي التي ستجلب لهم السعادة التي نرجوها لهم، وهي التي ستفتح لهم أبواب المستقبل، وهي التي ستمدهم بالمال والوجاهة والاستقرار وهي التي ستؤمن مستقبلهم - بإذن الله.
السؤال (المليوني) الآن الذي يواجهنا بتحد كبير، كيف لنا أن نغرس فيهم كل هذه المعاني العظيمة ونزودهم بكل هذه العناصر، في ظل ضعف مؤسساتنا التربوية والمجتمعية، وفي ظل ضمور الثقافة وضعف الأدوات المؤثرة؟ وأهم من ذلك كله في ظل كوننا أنفسنا نفتقد إلى الكثير من هذه المعاني وفاقد الشيء لا يعطيه!
الجواب من كلمتين: سددوا وقاربوا.