سجن جامعة ستانفورد

قال المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن
تجد ذا عفة فلعلة لا يظلم
هل ينطبق قول المتنبي على النفوس جميعا؟ وهل من لا يظلم فلديه علة تجعله لا يظلم؟
وجدت عبر التاريخ وقائع كثيرة، تغيرت فيها شخصيات من مسالمة إلى متجبرة. وجدت شخصيات تدعو إلى مبادئ، لكنها تخلت عنها عندما صار التطبيق بيدها. ينطبق على تلك الشخصيات قول سبحانه ''لم تقولون ما لا تفعلون''.
تتغير الشخصيات بتغير المواقف، إلا من رحم ربك.
أجرت جامعة ستانفورد الأمريكية المشهورة بحثا تطبيقيا لحساب البحرية الأمريكية، عرف باسم تجربة سجن ستانفورد. أشرف على التجربة ذات الطبيعة النفسية عالم النفس الاجتماعي في الجامعة زيمباردو عام 1973.
الافتراض السائد أن مهنة السجان تغري الساديين بالتقدم لها، ومن ثم فقد كان مطلوبا اختبار صحة هذه الفرضية بدراسة تجريبية. الدراسة تقوم على اختبار احتمال أن تكون بيئة السجن ذاتها هي المصدر لاكتساب سلوكيات ذات طابع سادي. وبمعنى آخر، للأدوار تأثير في السلوك. أتذكرون حادثة سجن ''أبو غريب'' في العراق؟
أنشأت الجامعة سجنا وهميا. واختير طلاب وطالبات من المتطوعين، وقسموا إلى فريقين: فريق حراس وفريق سجناء. اختير فريق الحراسة ممن يتوسم فيهم حسن الخلق.
زيادة في فعالية الاختبار، قامت الشرطة بالاتفاق مع الجامعة بإلقاء القبض على من سيقومون بدور السجناء، واصطحابهم إلى مقر الشرطة، ثم نقلوا معصوبي الأعين إلى ''سجن ستانفورد'' دون أن يعرفوا العلاقة بين ما يجري والتجربة التي قبلوا المشاركة فيها تطوعا.
تلقاهم زملاؤهم السجَّانون، بهيئة شرطة سجن حقيقية، ومعهم كل الصلاحيات وفي أيديهم العصي وأدوات لرصد كل ما يجري داخل زنازين السجن. وعاملوا زملاءهم المقبوض عليهم معاملة السجناء الحقيقيين.
بعد أسبوع واحد، اضطر منظمو التجربة إلى إيقافها، حيث بدأ الحراس في استخدام وسائل التعذيب والإهانة، ثم صار الأمر روتينياً، وتصاعد عنف الحراس.
بعد إيقاف التجربة كان على الطلبة الذين شاركوا في هذا العلاج أن يتلقوا علاجا نفسيا لتخليصهم مما علق بأنفسهم من صفات لم يكن من المتوقع أن تصبح جزءاً من طبيعة شخصية المتطوعين.
رغم أنها تجربة دراسية نفسية، وأن السجناء زملاء للمسجونين في الجامعة، إلاّ أن ذلك لم يحل من تعذيب زملائهم.
هذه التجربة تجعلنا نفكر، كيف يتغير الناس بهذه السهولة، عندما تأتيهم السلطة، خاصة إذا لم يكونوا مؤهلين ومعدين لها؟
إن التعامل مع السلطة أمر من أكثر الأمور خطورة. السلطة مظنة جلب كل ما يتمناه متولي السلطة. وقد تتحول إلى مفسدة كبرى. وقد قيل: ''مَنْ أَمِنَ العقوبة أساء الأدب''.
لجأت (أو يفترض) الدول إلى إيجاد بنية مؤسسية تحد من سلطات الأفراد، وأوجدت مؤسسات رقابية.
النفس أمارة بالسوء، تميل إلى حب الذات، وحب المال. وهذا الحب يوفر بيئة للعلو وظلم الآخرين. قلة من الناس لا تظلم. وفي إطار هذين نفهم كلام المتنبي.
في مجال الإدارة والأعمال، نعرف وجود ممارسات فساد وسوء إدارة وتسلط واستغلال نفوذ لتحقيق مصالح شخصية. لهذا توسع الاهتمام بالحوكمة وحوكمة الشركات.
وحوكمة الشركات تعني بصورة ما القواعد والمعايير التي على إدارة الشركة الالتزام بها لضمان تحقيق فضل الممارسات التي تحمي حقوق المساهمين وحقوق أصحاب المصالح.
وقد نصت لائحة حوكمة الشركات الصادرة من هيئة السوق المالية على أنه يجب أن يتضمن النظام الأساسي للشركة ولوائحها الداخلية الإجراءات والاحتياطات اللازمة لضمان ممارسة جميع المساهمين لحقوقهم النظامية. ولكن يبقى التطبيق رهنا لعوامل عديدة.
وباختصار، لكلام المتنبي قدر كبير من الصحة، وقد بينت تجربة جامعة ستانفورد بأن الأخلاق والمبادئ يمكن أن تتغير إذا وجدت ظروفا مواتية. وبالله التوفيق،،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي