استثمارات التأمينات ومطالب مجلس الشورى
في سياق تغطيتها لجلسة مجلس الشورى المنعقدة في 2/1/1432هـ أشارت ''الاقتصادية'' إلى مطالبة المجلس تضمين التقارير السنوية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية معلومات وبيانات تفصيلية عن استثماراتها في الخارج على النحو الذي تتبعه بالنسبة لاستثماراتها الداخلية، استنادا إلى التزامها بالإفصاح عن نشاطها الاستثماري وفقا لما ينص عليه نظام ''التأمينات الاجتماعية''. ويبدو أن تلك المطالبة لم تكن الأولى، إنما يتم تكرارها كل عام عند مناقشة التقرير السنوي للمؤسسة في المجلس.
إن إصرار ''التأمينات'' على حجب تلك المعلومات عن المجلس أمر مثير للدهشة والتساؤل، إذ لا بد أن ما طلبه مجلس الشورى له سند في نظامه، كما أنه يرى أهمية في الاطلاع على تلك البيانات. في المقابل ربما هناك أسباب وجيهة لموقف المؤسسة وتمسكها بحجب تلك المعلومات. وأحسب لو أن ''التأمينات'' أفصحت عن الأسباب أيا كانت، واقتنع بها المجلس لما كانت هناك حاجة إلى تكرار تلك المطالبة عاما بعد عام، إذ إن تكرار المطالبة من قبل المجلس ليس مؤشرا جيدا على مكانته وصلاحياته الرقابية الواسعة.
إن ملف استثمارات المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية يستحق دراسة متأنية ومتدرجة من قبل اللجنة المعنية في مجلس الشورى، على ألا تؤدي تلك الدراسة إلى عرقلة برامج المؤسسة أو التشويش عليها. أي أن ذلك الملف لا بد من التعامل معه بحذر نظرا لضخامة حجم الأموال المتداولة والتداعيات المحتملة لأي إشارة عنه ولو كانت عن بعد. إذ تمتلك المؤسسة في السوق المحلية محفظة أسهم بعشرات المليارات من الريالات تعد الثانية من حيث القيمة بعد محفظة صندوق الاستثمارات العامة، ولها حصص مؤثرة في ملكية جميع الشركات القيادية. تلك المحفظة يغبطها عليها الكثير من المتعاملين في السوق من مؤسسات وأفراد من حيث حسن المحتوى وتكلفة الشراء. وأتاحت المؤسسة تفاصيل تلك المحفظة أمام الجمهور من خلال الموقع الإلكتروني لإدارة السوق ''تداول'' ، كما أن تلك المعلومات كانت متاحة أيضا على الموقع الإلكتروني للمؤسسة ذاتها إلى ما قبل أسبوعين تقريبا، ثم حذفت لسبب لا نعلمه.
هناك اختلاف بين طبيعة استثمارات المؤسسة في السوق المحلية واستثماراتها في الخارج، وهو ما قد يفسر التباين في موقف ''التأمينات'' بالإفصاح عن تفاصيل الشق الداخلي بينما يُحجب الشق الخارجي. إذ يغلب التركيز في استثماراتها المحلية على شراء حصص في ملكية المصارف والشركات، ومشروعات التطوير العقاري. بينما من المرجح أن الاستثمارات الخارجية للتأمينات موزعة بين الودائع والسندات، وما يشابههما من أدوات مالية متحفظة حرصا على أموال المشتركين. تلك الأدوات باتت في السنوات الأخيرة موضوعا مُفضّلا للنقاش في بعض الأوساط تحت بند الحلال والحرام ما يفتح الباب أمام المزايدات دون مصلحة حقيقية لأصحاب المعاشات. لذلك قد يتفهم المرء حرص المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية على إحاطة تلك البيانات بسرية وعدم السماح بتداولها شأنها شأن أي حسابات مصرفية أخرى تتمتع بالخصوصية والمسؤولية القانونية التي ينبغي توافرها في كل من يحق له الاطلاع عليها.
إننا نتمنى على مجلس الشورى أن يتناول ملف استثمارات الأموال العامة بشكل مؤسسي يعنى بسياسات تلك الاستثمارات وآليات تطبيقها دون الحاجة إلى طلب بيانات قد لا يحسن فك رموزها غير المتخصصين في مهنة المحاسبة. ولعل في مقدمة الأمور التي تستحق التدقيق في ذلك الملف مؤهلات القائمين على إدارة تلك الاستثمارات، أدوات ودرجات الرقابة، ومعايير توزيعها من حيث المكان، طبيعة الاستثمار، متطلبات الإفصاح، وغيرها.