شفاء الملك .. شفاء الشعب
ليس مستغربا أن يتابع الكبير والصغير من أبناء الوطن مراحل علاج خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأن يفرحوا بما منّ الله عليه من شفاء مما ألم به من وعكة صحية استدعت سفره للعلاج في الخارج، وأن تعود البسمة إلى محياهم بعد أن شاهدوه، عبر شاشات التلفزيون مساء يوم الثلاثاء الماضي، يخطو طريقه إلى خارج المستشفى لقضاء فترة للنقاهة والعلاج الطبيعي. إذ لم يعد خادم الحرمين الشريفين رمزا للوطن فحسب، بل أصبح يعيش في قلب كل بيت، يشارك أبناءه نبضهم، تطلعاتهم، آمالهم، وهمومهم. لذلك أجمع الوطن على حب عبد الله دون تكلف أو نفاق، و إنما هي مشاعر صادقة ودعوات صالحة أحاطت به وهو على بعد آلاف الأميال من إخوانه وأبنائه. لقد كانت ألسن أولئك المحبين لا تكف عن الدعاء إلى الله ــ سبحانه وتعالى، وذلك دائما حال دعاء المؤمن لأخيه المؤمن بظهر الغيب، بأن تُكلل رحلة علاج الملك بالنجاح، وهي البشرى التي زفتها إلينا وسائل الإعلام.
إن الاهتمام بصحة الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ليس أمرا مقصورا على شعب المملكة العربية السعودية، وإنما يمكن القول إنه شأن عالمي أملته شخصية الملك والمكانة التي تتبوؤها المملكة بقيادته في الساحة الدولية. إذ أصبح اسم المملكة صنوا للوسطية والاعتدال، كما أصبحت المملكة الداعم الأكبر لقضايا السلام، التنمية، العدالة الاجتماعية، حقوق الإنسان، حوار الحضارات، والمساعدات الإنسانية، سواء من خلال المؤسسات الدولية أو من خلال العلاقات الثنائية المشتركة. تلك المكانة الرفيعة للمملكة لم تأت صدفة أو نتيجة تبني شعارات برّاقة خاوية، وإنما اكتسبتها المملكة بعمل دؤوب سهر عليه الملك بنفسه حتى في أدق التفاصيل.
وأحسب أننا لسنا في حاجة إلى سرد أو تعداد المكاسب التي حققتها المملكة في عهد الملك عبد الله في ميدان العلاقات الدولية وغيرها ما عاد بالنفع الملموس على مواطنيها ومستقبلهم، كما انتفع من تلك العلاقات المميزة عدد من الدول العربية والإسلامية. إذ يكفي أن نسترجع الحملات الإعلامية والسياسية الجائرة التي تعرضت لها الدول الإسلامية, وفي مقدمتها المملكة، إثر أحداث 11 من أيلول (سبتمبر) كي ندرك عظمة الإنجاز الذي حققه الملك عبد الله عندما قاد مبادرات دبلوماسية واقتصادية واسعة وشجاعة عملت على إعادة الأمور إلى نصابها. ومن ثم نجح الملك عبد الله في كسر قيد الحصار الذي بدأ يتشكل على نحو ماكر ضد حركة وتنقلات مواطنيه في عدد كبير من الدول لا سيما الغربية منها. إذ أدرك خادم الحرمين الشريفين المضار التي يمكن أن تتعرض لها المملكة بسبب تلك المكيدة، فبادر إلى إفشالها وردها من حيث أتت، وقد وفقه الله ــ سبحانه وتعالى ــ في أن يجيرها لصالح شعبه.
فاليوم أصبح المواطن السعودي مُرّحبا به في تلك البلدان أكثر مما كان عليه الحال بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر)، كما أصبحت تأشيرات الدخول إليها للدراسة أو الزيارة تمتد صلاحيتها إلى خمس أو عشر سنوات في بعض الأحيان. والأهم من ذلك كله أن فُتحت أبواب مؤسسات التعليم العالي هناك على مصاريعها أمام الطلاب السعوديين لدراسة شتى التخصصات بأعداد غير مسبوقة في تاريخ الابتعاث الخارجي للمملكة. ولم يكتف خادم الحرمين الشريفين بفتح تلك النوافذ لأبناء وطنه، بل سارع إلى تأسيس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية لبناء جسور دائمة مع مراكز البحث العلمي المرموقة حول المعمورة، كما تضاعف عدد الجامعات، وبلغت مخصصات قطاع التعليم بجميع مراحله في ميزانية العام المالي الجديد نحو 150 مليار ريال، أو ما يزيد على ربع إجمالي تلك الميزانية، وهو رقم يعكس رؤية الملك لمستقبل شعبه. ذلك أنه يستشرف المستقبل من منظور تاريخي فحواه أن التقدم الاقتصادي للأمم لا يدوم إن لم تسنده قاعدة متينة من أدوات البحث والابتكارن في نظام اجتماعي ينعم بالأمن والاستقرار.
إن نظرات الملك الحانية التي خاطبت بها عيناه مودعيه من الطاقم الطبي الذي أشرف على علاجه ورعايته الصحية، كانت أصدق تعبيرا من أية صفحات يمكن أن تكتب عن خلق وتواضع ذلك الرجل العظيم.