التحول المدروس للمصرفية الإسلامية في السعودية.. سر نجاحها

أكد فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان المنيع عضو كبار هيئة العلماء، وعضو عدد من الهيئات الشرعية في المصارف، التي تتعامل بالمصرفية الإسلامية، خلال اللقاء الصحافي، الذي نظمه نادي ''الاقتصادية'' بالتعاون مع البنوك السعودية، عن تطور المصرفية الإسلامية في السعودية، ونشر في العدد 6237، أن من بين أبرز وأهم العوامل الأساسية والرئيسة، التي ساعدت وأسهمت بشكل كبير في تطور المصرفية الإسلامية في السعودية، هو التحول المتدرج والمدروس من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية.
من هذا المنطلق استلزمت عملية التحول من المصرفية التقليدية، إلى المصرفية الإسلامية، من القائمين على إدارة البنوك السعودية المختلفة، التخطيط المسبق والسليم لها، ولخطواتها ولمراحلها المختلفة، بالشكل الذي يكفل أن تتم عملية التحول، بأسلوب علمي وعملي متدرج ومتأنٍ، لا يتسبب في حدوث أي أضرار مادية أو معنوية أو أدبية، ولعل الأهم من ذلك وذاك، دون أن يتسبب ذلك التحول، في حدوث أي نوع من المخالفات أو الاختلاف والتباين سواء البسيط أم الجوهري، مع متطلبات الشريعة الإسلامية وفقه المعاملات في الإسلام.
هذا التدرج في التحول من المصرفية التقليدية إلى المصرفية الإسلامية، استلزم أيضاً من القائمين على إدارات البنوك السعودية، وضع خطط (قصيرة، متوسطة، وطويلة الأجل)، لإحلال المنتجات الإسلامية محل المنتجات التقليدية، وبالذات بالنسبة للمنتجات المتخصصة في خدمة شرائح معينة من العملاء، مثل منتجات الخزانة، الاستثمار، التجارة الخارجية، والمنتجات الخاصة بعملاء الشركات الكبيرة، حيث إن الإخفاق في عملية التحول على مستوى هذا النوع من العملاء والمنتجات، كان سيعرض المصارف لخسائر مالية كبيرة، نتيجة لفقدانها شرائح عملاء مهمين للغاية، يمثلون بالنسبة لها مصدرا مهما جداً للربحية.
لعل من بين أهم العوامل كذلك، التي ساعدت على نجاح عملية التحول من المصرفية التقليدية، إلى المصرفية الإسلامية في السعودية، تولد القناعة التامة لدى الملاك والمؤسسين الرئيسين في البنوك، بأهمية وفاعلية عملية التحول، باعتبارها هي التوجه الأفضل والسليم لعمليات البنوك في المستقبل، ولا سيما في دولة مثل السعودية، التي تستند في إدارة شؤونها الداخلية والخارجية وفي جميع تعاملاتها، إلى الشريعة الإسلامية، إضافة إلى كونها تمثل مركز الثقل بالنسبة للعالم الإسلامي، ما شجع البنوك على المضي قدماً نحو ذلك التوجه، إضافة إلى أن هناك شريحة كبيرة جداً من عملاء البنوك، كانوا يطالبون البنوك، بالبحث عن منتجات إسلامية بديلة تحل محل المنتجات التقليدية، ما حفزها على مضاعفة الجهود الرامية للتحول إلى المصرفية الإسلامية.
من بين العوامل أيضاً، التي ساعدت على نجاح عملية التحول، عدم ممارسة أي ضغط على البنوك المحلية، للتحول من المصرفية التقليدية، إلى المصرفية الإسلامية، سواء كان ذلك من البنك المركزي، المتمثل في مؤسسة النقد العربي السعودي ''ساما''، أو من غيرها، ليس ذلك بسبب عدم الرغبة أو القناعة بعملية التحول، وإنما بسبب التخوف من التسرع والاندفاع وراء عملية التحول بشكل غير مدروس، قد يصيب عملية التحول بانتكاسة ـــ لا سمح الله، وكما حدث في عدد من دول العالم، ما سيتسبب في الإخلال بمكتسبات ومقدرات القطاع المصرفي في السعودية، ويهز من مكانته والثقة به، ويعرقل من مسيرة التقدم والتطور التي شهدها القطاع خلال العقود الأربعة الماضية، ومن هذا المنطلق، كانت ''ساما'' تراقب وتتابع عملية التحول عن كثب وتباركها، ولكنها في الوقت نفسه لم تتناسَ أو تتغافل عن دورها الإشرافي والرقابي على أنشطة وأعمال البنوك، لتضمن بذلك سلامة التحول، وألا تكون عملية التحول خاضعة لمخاطر غير محسوبة، ولهذا كانت ''ساما'' ولا تزال منذ أن بدأت البنوك السعودية خطوات عملية التحول خلال حقبة التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، وهي تمارس على البنوك السعودية وتطبق عليها معايير الرقابة نفسها على المخاطر المرتبطة بالتعاملات الإسلامية، التي تطبقها في الوقت ذاته على التعاملات التقليدية، ما مكن البنوك من إنجاز خطوات رائعة وتحقيق قفزات نوعية في عملية التحول، دون أن تتعرض لأي مخاطر أو مشاكل تذكر، لدرجة أنها أصبحت اليوم، نموذجا ومثلا يحتذى به على مستوى العالم، ولا سيما أن عملية التحول من المصرفية التقليدية، إلى المصرفية الإسلامية، في البنوك السعودية، قد تمت وفقاً لما أشار إلي إليه فضيلة الشيخ المنيع بالندوة المذكورة، ''لرغبة الشريحة العظمى من المتعاملين مع البنوك في البحث عن مصادر للرزق والكسب والتعاملات الحلال، تحقيقاً لشعور ابن الإسلام ورغباته في التطلع إلى تحويل تلك البنوك التقليدية إلى بنوك إسلامية، بغية مرضاة الله ـــ سبحانه وتعالى ـــ والرغبة في الابتعاد عن التعاملات غير المتوافقة مع الشريعة الإسلامية''.
آخراً وليس أخيراً، من بين عوامل نجاح تحول المصارف السعودية من المصرفية التقليدية، إلى المصرفية الإسلامية، إنشاء البنوك لإدارات متخصصة في المصرفية الإسلامية، تضطلع بمسؤولية الإعداد والتخطيط السليم لعملية التحول، بما في ذلك إنشاؤها لفروع متخصصة في تقديم الخدمات المصرفية الإسلامية للعملاء، إضافة إلى إخضاع جميع أعمال البنوك وأنشطتها ذات الطبيعة الإسلامية، لرقابة شديدة وصارمة من قبل هيئات شرعية متخصصة ومستقلة تماماً عن إدارات البنوك، تجمع بين أعضائها كوكبة من كبار أصحاب الفضيلة العلماء والمشايخ في المملكة، كما أن جميع أنشطة وتعاملات المصرفية الإسلامية في البنوك السعودية، تخضع لرقابة داخلية من قبل إدارات متخصصة في البنوك، بالتنسيق مع الهيئات الشرعية للبنوك.
خلاصة القول، إن عملية تحول المصارف السعودية إلى التعاملات المصرفية الإسلامية، لم تتم بشكل عشوائي أو ارتجالي غير مدروس، وإنما قد تمت وفقاً لخطط استراتيجية (قصيرة، متوسطة، وطويلة الأجل)، روعي فيها أن تتم عملية التحول بشكل تدريجي ومسؤول، لا يضر بمقدرات ومكتسبات القطاع المصرفي في السعودية، ويكفل في الوقت نفسه، أن تتم عملية التحول وفق منهجية واضحة وشفافية عالية، بعيداً عن الغرر والغش والخداع والتدليس، بإشراف ورقابة هيئات شرعية متخصصة من رجال العلم والدين في المملكة، الأمر الذي أسهم بشكل كبير في تفوق المصرفية الإسلامية في السعودية على غيرها في عدد من دول العالم، وأسهم أيضاً بشكل ملحوظ وملموس في توسعها وانتشارها وازدهارها في المملكة بالشكل السليم والمأمول، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي