معضلة العجز القادم في الموازنة وتوقعات النمو الإيجابية
بدأت الأسئلة تتكاثر حول توقعات الموازنة الحكومية وتوقعات النمو للاقتصاد السعودي مع اقتراب نهاية العام الحالي، ويتابع المراقبون باهتمام إعلان الموازنة العامة للدولة في ظل الاقتصاد العالمي المتذبذب المليء بالمفاجآت، ولكن ما يهم الاقتصاد السعودي كعوامل مؤثرة عامة خلال العام المقبل هي:
1- توقعات أسعار النفط.
2- الإنفاق الحكومي.
3- معدلات التضخم.
4- الإقراض البنكي.
يتذكر المتابعون أن أسعار النفط في 2009 وصلت إلى حدود 40 دولاراً للبرميل، إلا أن التحليلات التي ظهرت بعد إعلان الموازنة لسنة 2010 توصلت إلى أن الحكومة السعودية قد تبنت سعر نفط عند 50 دولاراً للبرميل لموازنة 2010 وخرجت بعجز مقدر عند 70 مليار ريال، وكانت الميزانية الفعلية لعام 2009 قد شهدت عجزاً قدره 45 مليار ريال (عدل أخيراً في تقرير مؤسسة النقد ليصل العجز إلى 86.8 مليار ريال)، مع أن أسعار النفط وصلت في المتوسط عند 60 دولاراً للبرميل، واليوم يصل سعر النفط عند متوسط 75 دولاراً للبرميل، وبمتوسط إنتاج نفط عند نحو 8.2 مليون برميل في اليوم، وبمستوى متقارب لعامي 2009 و2010، وفي ضوء ذلك، أعتقد أن الحكومة قد تحقق إيرادات بنحو 630 مليار ريال، ومصروفات بنحو 660 مليار ريال بعجز قد يصل إلى نحو 30 مليار ريال لسنة 2010.
وحسب التقديرات الأولية لنمو الناتج المحلي، فإن الحكومة أخرجت بيانات بنمو تقديري للنصف الأول من 2010 بنحو 24 في المائة بالأسعار الجارية، وحسب الأسعار الحقيقية، وحسب التقديرات الحكومية، وكذلك صندوق النقد الدولي، وبعض التقديرات البنكية، قد ينمو الناتج الحقيقي بين 4 و4.5 في المائة خلال 2010، ويعد نمواً قوياً مقارنة بمتوسط النمو للسنوات الثلاث الأخيرة التي شهد فيها الاقتصاد المحلي والعالمي أحداثا اقتصادية سلبية كبيرة، ويعود هذا النمو بالدرجة الأولى إلى نمو القطاع الحكومي بأقوى من القطاع الخاص نتيجة الإنفاق السخي الذي تتبناه الحكومة. من هنا لا غرابة أن تكون مستويات البطالة في مستوياتها المرتفعة، حيث إن الموظف الرئيس هو القطاع الخاص الذي ينمو بأقل من القطاع الحكومي ويعتمد على توظيف غير السعوديين بنسب عالية.
ولا يبدو أن السنة المقبلة 2011 ستشهد تغيراً ملموساً على مستوى الأداء الحكومي، حيث ستستمر الحكومة في الإنفاق السخي، ولكن القطاع الخاص قد ينمو بنسبة أعلى، خصوصاً بعد فوز قطر بتنظيم كأس العالم، الذي سيسهم بشكل كبير في زيادة نشاط قطاع المقاولات والبناء، وما يصاحب ذلك من ارتفاع في أسعار المواد المرتبطة بهذا القطاع مثل الحديد والأسمنت، فإذا سمحت الحكومة السعودية لقطاعي الحديد والأسمنت بالتصدير إلى قطر، فإن هذا القطاع قد يشهد ارتفاعات نمو غير مسبوقة.
وسيظل الإقراض البنكي للقطاع الخاص مثار تساؤل نتيجة تراجع نمو الإقراض البنكي للقطاع الخاص بشكل كبير خلال العام الماضي بنحو -0.04 في المائة مقارنة بنمو قدره 21.4 في المائة و27.1 في المائة في عامي 2007 و2008 على التوالي، فالبنوك السعودية قد ترفع نمو الإقراض بنسب أعلى خصوصاً أن مخصصات الائتمان قد تتراجع وتيرتها عما حدث في عامي 2009 و2010، ولكن متطلبات بازل برفع كفاءة رأسمال البنوك والمخاوف من انهيارات مفاجئة في القطاع المالي في أوروبا، قد تجبر البنوك على اتباع سياسات ائتمانية متحفظة.
مما سبق، يبدو أن 2011 قد تكون أفضل من 2010 في النمو لكل القطاعات، إلا أنه نمو سيكتنفه الحذر، كما هو الحال لسنة 2010، وستظل الحكومات - خصوصاً الخليجية - اللاعب الرئيس في قصة النمو المقبلة، ويؤكد ذلك فوز قطر بتنظيم كأس العالم 2022م، حيث ستجبر على إنفاق أكثر من 100 مليار دولار في غضون سنوات قصيرة، وإذا أضيف إليها إنفاق الحكومات الخليجية المجدول سلفاً لنمو البنية التحتية والمشاريع الأخرى، فإن السنوات المقبلة تنبئ بنمو قوي لدول الخليج، وعلى رأسها المملكة متى ما تبعت الحكومة السعودية سياسات تجارية تمكن قطاعها الخاص من الاستفادة من تظاهرة كأس العالم.