19 وصفة لفك اشتباكات التحديث والديمقراطية والإسلام

كتاب نوعي ذلك الذي يحمل عنوان ''التحديث والديمقراطية والإسلام''، ليس بالضرورة لتوظيفه هذا العنوان المغري للمتلقي المسلم والغربي على حد سواء، فيما أصبح يُصطلح عليه بمؤلفات ''العناوين الكبيرة'' شكلا، والمتواضعة أو الفارغة مضمونا، ولكن بسبب التوفيق المُمتِع في الجمع بين قلق العنوان، نوعية المشاركين، المنهجية المُتّبَعة في العمل، تبني ''نماذج تفسيرية مُركّبة''، إذا استعرنا التسطير المفاهيمي الصادر يوما عن الراحل عبد الوهاب المسيري. (التحديث والديمقراطية والإسلام، تحرير شيرين ت. هنتر Shireen T. Hunter وهوما مالك Huma Malik، تقديم أحمد ولد عبد الله، ترجمة أيمن حامد، دار النشر: نهضة مصر، الطبعة الأولى 2009. (361) صفحة من الحجم الكبير، نشر الكتاب بالتعاون مع مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية CSIS، في واشنطن العاصمة).
نبدأ بقلق الحديث عن ثلاثية ''التحديث والديمقراطية والإسلام''، أو الثلاثية التي تختزل أهم مشاريع الإصلاح والنهضة في المجال التداولي الإسلامي منذ ''سقوط الخلافة الإسلامية''، في مطلع القرن الـ 19 عند التيار الإسلامي الحركي ومنذ ''صدمة الحداثة'' مع حملة نابليون على مصر في أواخر القرن الـ 18، عند التيار الحداثي/ العلماني.
ولعل مجرد الخوض في الاشتباكات الجدلية لعناصر هذه الثلاثية المؤرقة، كفيل بإفراز لائحة عريضة من الأسئلة: هل يُمثّل الدين عقبة أمام التحديث والديمقراطية؟ وهل يُشكّل الدين تهديدا للديمقراطية إذا أصبحت حكومة منتخبة ديمقراطيا حكومة ''دينية التوجه''؟ وهل يُهدّد حكم الأغلبية الديمقراطي التحرر والحرية للمواطنين الآخرين في أي مجتمع؟ وهل يقوي التحديث إرساء الديمقراطية والحرية الفردية أم يعوقها؟ وبَدَهِي أن مُجمَل هذه التساؤلات الجامعة مطروحة على مائدة النقاش في عدة سياقات مختلفة حول العالم، وقد وَفّرت إطارا للنظر في تجربة المجتمعات الإسلامية والعلاقات بين الإسلام والديمقراطية.
بالنسبة لنوعية المشاركين في العمل، وعددهم 19 باحثا مرموقا، فقد يكون القاسم المعرفي والمنهجي المشترك بين هؤلاء، الانصياع لمقتضيات ''ثقافة التخصص''، بمعنى أن المتخصص في التجربة الإصلاحية في منطقة الخليج العربي مثلا، غير معني بتحرير وجهة نظره في نظيرتها الماليزية أو الباكستانية، والمرتحل في عوامل المفاهيم والمصطلحات وتاريخ الأفكار، غير معني بتقييم تجربة الإسلاميين الأتراك، وهكذا. وضمت لائحة المشاركين الأسماء التالية: محمد أيوب (أستاذ مرموق في العلاقات الدولية بجامعة ميتشجان الأمريكية)، عثمان بكر (أستاذ ورئيس قسم الدراسات الإسلامية في جنوب شرق آسيا، مركز التفاهم الإسلامي المسيحي، جامعة جورج تاون)، هيثر ديجان (أستاذ السياسة المقارنة في جامعة ميدلسيكس، الجامعة متخصصة في الحكم والشرعية السياسية والعولمة في المحيط الإفريقي)، بروس و. فاركو (مسؤول متقاعد في وزارة الخارجية، وأستاذ في جامعة سنترال فلوريدا)، مهرداد هاجياجي (أستاذ ومدير المركز الرئيس للشؤون الدولية في جامعة ميسوري الأمريكية)، شيرين ت. هنتر - مديرة برنامج الإسلام في مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية في واشنطن العاصمة، سعد الدين إبراهيم - مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية في القاهرة)، ميهران كامرافا - رئيس كرسي قسم العلوم السياسية في جامعة ولاية كاليفورنيا، جياكومو لوتشاني - أستاذ الاقتصاد السياسي والمدير المساعد في برنامج البحر المتوسط في معهد الجامعة الأوروبية، هوما مالك - زميلة في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية، برنامج الإسلام، تيموثي ماكدنيل - أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، فالنتين م. موجادام - أستاذة العلوم الاجتماعية ومديرة قسم دراسات المرأة في جامعة ولاية إللينوي الأمريكية، بيتر نونينكامب - اقتصادي عالي المقام في معهد كاييل للاقتصاد العالمي، شوكا أونوميشيلي - أستاذ وكرسي قسم الاتصالات في جامعة بووي، إليزابيث بيكارد - باحثة فرنسية مرموقة متخصصة في قضايا الشرق الأوسط، تامارا سون - أستاذة الإنسانيات بقسم الدراسات الدينية في كلية ويليام وماري، بيناز توبراك -ـ أستاذة العلوم السياسية بجامعة بوجازيتشي التركية، جون و. فول - أستاذ التاريخ الإسلامي، ومدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي في جامعة جورج تاون، وأخيرا، فريد ر. دير ميهدن - أستاذ العلوم السياسية في جامعة ريس الأمريكية.
بخصوص منهجية العمل، فقد توزع الكتاب على ثلاثة محاور/ أبواب رئيسية، تحت العناوين التالية: قضايا جذرية؛ من الداخل والخارج: العوامل التي تؤثر على التحديث وإرساء الديمقراطية في العالم الإسلامي؛ دراسات ميدانية، وضمن كل محور من هذه المحاور، نقرأ للأسماء سالفة الذكر، حيث القاسم المشترك في ثنايا منهجية المادة البحثية (الحافلة بالمراجع، بالنسبة لجميع المشاركين، حتى أن عدد المراجع في خاتمة الكتاب ناهز 370 مرجعا)، يكمن في تسطير الخطوط العريضة للمادة البحثية في مستهلها، واختتام المادة بلائحة استنتاجات، تسهل المأمورية على محرر العمل في نهاية المطاف، حيث نقرأ في خاتمة الكتاب جملة من أهم الخلاصات مصحوبة بأهم التوصيات، والتي تستحق الكثير من التأمل، لتمُيّزِها عبر تبني منطق ''النقد المزدوج'' بشكل عام: نقد العقل الإسلامي الإصلاحي، ونقد العقل السياسي الغربي.

وبداية، اعتبر أحمد ولد عبد الله، الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لغرب إفريقيا، في مستهل الكتاب، أن هذا الأخير، يُذكّرنا بضرورة وضع التحليلات المتعلقة بالإسلام اليوم في سياقها التاريخي والاقتصادي والجغرافي الصحيح. ومن ثم، فإنه بذل جهدا فائقا لإنقاذ التاريخ من خبراء ومؤرخي الإسلام الجدد.
توزعت أهم أهداف هذا العمل على أربع نقاط جوهرية: تحديد تلك العوامل المسؤولة إجمالا على السجل المتواضع للعالم الإسلامي في مجالي التحديث والديمقراطية (رغم أن العمل حرّره باحثون غربيون، ومع ذلك، ثمة إجماع في أغلب ثناياه، عن ثقل العامل الخارجي/ الموضوعي في عرقلة مشاريع التحديث والإصلاح، والإحالة هنا على حقبة الاستعمار في الدرجة الأولى)، إظهار مدى تأثير العوامل المتشابهة على مسيرة التحديث والديمقراطية في البلدان غير الإسلامية، تقدير الدور النسبي للعوامل الثقافية، وأخيرا، اقتراح بعض الحلول للعقبات التي تعترض التحديث والديمقراطية في العالم الإسلامي.
افتتحت شيرين هنتر في تقديم العمل، أن تُذكّر الجميع بقاعدة ''أهمية الاستفادة من دروس الماضي''، ولعل أبلغ هذه القواعد، ما صدر منذ 40 عاما عن ألكسندر جيرشنكرون Alexander Gerschenkron ومفادها أن ''الدول المتقدمة لن تُكلل جهودها لمساعدة الدول النامية بالنجاح، إذا تجاهلت خصوصيات هذه الأخيرة وطبيعة مثالبها''. وشيرين هنتر للتذكير، تكفلت أيضا - في المحور الثالث من الكتاب، والخاص بالدراسات الميدانية - بتقييم التجربة الإيرانية، في مبحث ''الإسلام والتحديث وإرساء الديمقراطي: الحالة الإيرانية''، ملاحظة أن مساعي إيران للتحديث واجهت عبر الـ 150 عاما الماضية عقبات تمثلت في الخصائص الجغرافية والاستراتيجية الجغرافية للبلد، وتاريخها المضطرب، والتنوع السكاني بها، وسمة المؤسسة الشيعية فيها، وانقسام نخبتها، وسمات القيادة فيها، ولا سيما مركزية الأفراد لا المؤسسات، كما وقفت القراءة المحتفظة التقليدية وكذلك الثورة للإسلام عائقا لتحديث إيران، والأهم، لإرساء الديمقراطية فيها.
تأسيسا على قراءاته النقدية لأعمال ماكس فيبر وإرنست غيلنر وعلي مزروعي، سيستخلص هيثر ديجان في مبحث ''الثقافة والتنمية''، أن المجتمعات التقليدية والثقافات الدينية الاجتماعية التي كانت تعتبر مقاومة للتغيير لم تعرقل التنمية مع مرور الوقت.
أما تيموثي ماكدنيل، فيُحسب له في مبحث ''التجربة الإسلامية من منظور مقارن''، طرح لائحة من الأسئلة التي لا يرغب العديد من صناع القرار في الغرب سماعها، خاصة إذا كانوا من عشاق سماع ''نصائح'' دانيال بايبس الأمريكي أو ألكسندر دير فال الفرنسي، منتقدا خطاب/ عقلية المركزية الغربية (الأوروبية تحديدا) بخصوص تصدير المفاهيم والمشاريع، متسائلا مثلا: إلى أي مدى يمكن اعتبار التحليل الشامل والوظيفي لنشوء مجتمع أوروبا الحديث نموذجا عاما للحداثة في المجتمعات الأخرى؟ هل يمكن وضع استنتاجات لما أسماه إريك جونز ''المعجزة الأوروبية'' لطبيعة الحداثة وانعكاساتها على المجتمعات غير الغربية؟ وتقاطعا مع مقتضيات هذه الأسئلة الجريئة، يستشهد ماكدنيل برؤية منهجية رئيسية صدرت أيضا عن جيرشنكرون، بخصوص تفاعل المجتمعات غير الأوروبية مع الحداثة، حيث اعتبر جيرشنكرون أن الحداثة ليست ظاهرة وحدوية سواء في تكوينها أو نتائجها؛ إذ يعتمد التكوين والنتائج على التوقيت والتواصل والنظام المؤسسي والسياق الدولي والتلاؤم؛ ليخلُص إلى أنه لا يمكن اعتبار النموذج الغربي نموذجا إرشاديا ووظيفيا لباقي المجتمعات الأخرى.
وفيما يتعلق بنقد المركزية الأخرى، تلك التي تهُمّ بعض الناطقين باسم العقل الإسلامي المعاصر، في شقه الحركي (نسبة إلى الحركات الإسلامية)، يخلُص الباحث إلى أن الفروق بين إيران الإسلامية وأفغانستان الطالبانية وبين المجتمعات حول العالم الإسلامي تشير إلى أن الإسلام ليس ''السؤال'' وليس كذلك ''الحل''، وفي المقابل، يُثير الإسلام بوصفه دينا وقاعدة ثقافية للحضارة العريضة العديد من الأسئلة والعديد من الإجابات؛ إذ إنه لا يُعدّ المحرك الرئيس لكنه يُمثّل العلة والتأثير في سلسلة مركبة من العلاقات مع حشد المظاهر الأخرى للمجتمع الحديث.
''الإسلام والحداثة: هل هما متوافقان؟''، هو عنوان المبحث الأكثر رصانة في هذا الكتاب (إضافة إلى مبحث جون و. فول)، وحرّرته تامارا سون، والتي أتحفت القارئ باشتباك استطلاعي ونقدي مع اجتهادات عبد الوهاب المسيري وطارق رمضان وراشد الغنوشي، والمفكر القانوني الأمريكي من أصل مصري خالد أبو الفضل.
وبعد تنويه تامارا سون بأعمال المسيري وخالد أبو الفضل، عرّجت على نقد الخطاب الإسلامي الحركي، - أو ''خطاب ''الإسلامويين''، كما جاءت في ترجمة مبحثها - معتبرة أن هناك نبرتين واضحتين في الخطاب الإسلامي الحركي، تقف مرحلة منها في تعارض تام مع التفاؤل الواثق الذي عبّر عنه السلف الإصلاحي السابق: إنها نبرة دفاعية وكراهة للأجانب وتتسِم بريبة عميقة تجاه الغرب على نحو نمطي، يبدو مُصمّما بحسب هذه الرؤية على تخريب وتدمير العالم الإسلامي، ما دمت تُلقي بجميع مشكلات العالم الإسلامي وإخفاقاته على كاهل الغرب.
وفيما يُعتَبر تزكية لقراءات عربية وإسلامية سابقة بخصوص ''ضبابية'' الشعارات التي ترفعها أغلب الحركات الإسلامية، تخلُص تامارا سون إلى الحركات الإسلامية، تُقرُّ بالحاجة إلى مراجعة الشريعة الإسلامية لكي تناسب الحقائق المتغيرة، لكنها لا تقدم برنامجا مفصلا، ويبدو على الأرجح هذا الخطاب خياليا، وسمته الأساسية أن الإسلام هو الحل لجميع المشكلات الأخلاقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والبيئية، بيد أنه لا يهتم بتفاصيل الحصول على السلطة أو إدارة الحكومات.
من الدراسات النوعية التي جاءت في العمل، نقرأ لجون و. فول مبحثا تحت عنوان: ''الإسلام والديمقراطية: هل يمثل التحديث عائقا؟''، مُؤسّسا أولى أجوبته على الفرضية التالية: من الممكن أن تكون العقبة الرئيسة في إرساء الديمقراطية في العالم الإسلامي مرتبطة بـ ''التحديث'' أكثر من ارتباطها بـ ''الإسلام''، داعيا إلى ضرورة وضع النقاش الحالي حول الإسلام والديمقراطية في سياق أوسع وأشمل من الحداثة والتحديث العالمي.
وقد يكون مبحث جون و. فول، الأكثر ارتباطا بالتساؤلات التي يثيرها عنوان الكتاب بشكل عام، معتبرا أنه يجب إعادة النظر في التساؤل حول العلاقة بين الإسلام والديمقراطية والتحديث، مضيفا أنه إذا كانت هذه المفاهيم والعمليات تبدو مُعقّدة ومختلفا عليها ومتعددة التعريفات، فمن الضروري إذن تحديد ''أي إسلام'' هو موضع النقاش؛ نظرا لأن المجتمعات ذات الأغلبية المسلمة جرّبت قدرا ملحوظا من التحديث ولم تكن ذخيرة المفاهيم والرموز الإسلامية عائقا أمام هذا التحديث.
وعلى غرار اجتهادات تامارا سون، يخلُص جون و. فول، إلى أن عديدا من الباحثين والمفكرين المسلمين يرون أن لدى الإسلام مصادر لإنتاج خطاب ديمقراطي من خلال ذخيرته التاريخية والدينية، إضافة إلى قدرته على توفير أسس لأنظمة ديمقراطية إسلامية، وما يحتاجه مثل هذا التطور، تجاوز عقبتين رئيسيتين في البيئات الاجتماعية السياسية المعاصرة في العالم الإسلامي: التراث السياسي المُتحَجّر دينيا للمجتمع الإسلامي في العصور الوسطى، والتراث الاستبدادي للتحديث والنزعة الاستعمارية.
أما الخلاصة الأبرز في مبحث جون و. فول، فتكمن في التنويه بقناعة مسكوت عنها في المجال التداولي الإسلامي، ومفادها أن المسلمين مقتنعون بأن هناك خيارات إسلامية ديمقراطية ليست بالضرورة نسخة من الديمقراطية الليبرالية العلمانية غريبة الطراز، ولا على غرار الحكومة الدينية الخاصة بالمتطرفين الإسلاميين.
إقرار جون و. فول بالعائق الكبير الذي جسّدَه التراث الاستبدادي للتحديث والنزعة الاستعمارية، يحيلنا على ثقل ودور العوامل الخارجية في إعاقة مسارات التحديث والإصلاح في أغلب الدول العربية والإسلامية، وهذا عين ما ارتحل معه محمد أيوب في مبحث ''السجل الهزيل للعالم الإسلامي في التحديث وإرساء الديمقراطية: التفاعل بين العوامل الخارجية والداخلية''، مستشهدا مثلا، بدور السوق الأوروبية ومن بعدها الاتحاد الأوروبي في تيسير عملية التحديث وإرساء الديمقراطية لدول جنوب أوروبا، ومنذ التسعينيات قامت بمساعدة دول شرق أوروبا، وأيضا، دور الحماية الأمنية الأمريكية في مساعدة وتيسير تحديث اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية. وعلى النقيض، واجهت دول العالم الثالث، خصوصا الواقعة في الشرق الأوسط الإسلامي، بيئة خارجية معادية وغير مواتية إلى حد كبير.
وتكمن ذروة شجاعة محمد أيوب في استحضار السيناريو التالي الذي لا يمكن أن يروق بدوره للمدافعين عن خيار ''الكيل بكيالين'' في العلاقات الدولية؛ يرى محمد أيوب أنه لو أمكن تحرير نسخة أخرى مغايرة من تاريخ الشرق الأوسط تُرسَمُ فيها صورة مُغايرة للمنطقة من دون الصراع العربي الإسرائيلي والشتات الفلسطيني، لأمكن أن يظهر نص مسرحي أكثر ديمقراطية وليبرالية، ودخلت مصر وسورية والعراق ولبنان ضمن عملية التجارب الوليدة في الحكم الديمقراطي، وما ''يُغذّي'' هذا السيناريو الافتراضي، ما أشار إليه عثمان بكر في المبحث الخاص بالتجربة الإصلاحية الماليزية، حيث أشار إلى أن واقع ابتعاد ماليزيا عن ساحة التنافس بين الشرق والغرب، وعدم سقوطها في صراعات إقليمية أو ثنائية ممتدة، أسهما بقوة في نجاح تحديث ماليزيا وإحلال الديمقراطية فيها. (لا يحول وزن هذا العامل الخارجي من التوقف عند عوامل محلية ذاتية، عجّلت بالتطور اللافت للتجربة الماليزية، وقد أوجزها عثمان بكر في التحديث الاستعماري وإصلاح الملكية الملاوية، القيادة السياسية والدينية المؤيدة للتحديث، الاهتمام الفريد بالتعليم الحديث، وجود خدمة مدنية فعالة ومحترفة، هيمنة سياسة التنمية على المعارك الانتخابية، وأخيرا، التنافس العرقي على إسلام الملايو).
بالعروج على الحالة التركية وتلك الخاصة بالدول الإسلامية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى، يوجز بيناز توبراك واقع الحالة الأولى في تضافر مجموعة من العوامل التي أسهمت في النجاح النسبي لنموذج التطور التركي، من خلال تفاعل عمليات الصراع والإجماع بين القوى الاجتماعية الوطنية والميراث التاريخي الذي تحدد اتجاهه، غير أنه لا يحدث بمعزل عن خيارات القيادة أو مستقلا عن الفاعلين الدوليين.
أما الحالة الثانية، فقد لخصّ واقعها المتأزم، الباحث شوكا أونوميشيلي في تشابه العراقيل الكبرى التي تواجه التحديث وإرساء الديمقراطية فيها، (أي الدول الإفريقية ذات الأغلبية المسلمة)، مع تلك العراقيل التي تواجهها الدول غير الإسلامية، لولا أن صعود الحركات والجماعات الإسلامية التي تطالب بإقامة حكم قائم على الالتزام بأحكام الشريعة، خلق مشاكل إضافية لبعض الدول الإسلامية.
نختتم هذا العرض بأهم ما جاء لائحة عريضة من المقترحات التي حفِل بها العمل (عشرة مقترح بالضبط موزعة على الصفحتين 329 و330)، ونوجزها بدورنا في ثلاث نقاط جوهرية، تُعتبر زبدة العمل والمقترحات في آن:
- بالرغم من أن المجتمعات الحديثة لديها عدد من السمات المشتركة، فقد كانت هناك حداثات متنوعة تاريخيا، لأن كل عملية تحديث تأثرت بالوقت والمكان والواقع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والثقافي السابق عليها، وعندما تستمر الدول الإسلامية في عملية التحديث، ستظهر نسخة إسلامية من الحداثة أيضا.
- يملك الإسلام تراثا من التفكير والمنتجات العقلانية والعلمية يجب العمل على إحيائه وترويجه، وبالتالي إثبات أن العقلانية، ومعها الحداثة، لا تتعارضان مع الإسلام.
- من الضروري إصلاح النظام الاقتصادي العالمي؛ حتى يكون أكثر ملاءمة لجميع الدول النامية بما فيها الدول ذات الأغلبية المسلمة، وفي هذا السياق، يجب إلغاء ممارسات التمييز التجاري وتسهيل الحصول على رأس المال والتكنولوجيا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي