الخادمة الإندونيسية .. استغلال سيئ لقضية فردية
لا أحد يمكن أن يبرر أي جريمة يتعرض لها إنسان مهما كانت المسببات، فالجريمة تظل جريمة مستحقة للعقوبة مهما كان من قام بها، ومهما كانت جنسيته، أو ديانته، إلا أن من الخطورة بمكان أن تسحب جريمة فرد، أو عدة أفراد على شعب بكامله، فيوصف بأوصاف لا يمكن أن تبرر، إلا بأنها نظرة عنصرية تسعى إلى إدانة مجتمع، لا إلى معالجة وضع شاذ.
قضية العاملة الإندونيسية التي تعرضت للتعذيب في المدينة المنورة، وقضية العاملة الأخرى التي تعرضت للقتل، وغيرها من القضايا المماثلة مثالٌ على القضايا الفردية التي تستغل، وبشكل سيئ للإساءة إلى المجتمع السعودي، في حين تغيب عن الأنظار كثيرٌ من النماذج المشرفة للتعامل مع العمالة الوافدة، وهي نماذج تستحق الإشادة والتقدير.
قبل الحج سألني أحد الأصدقاء عن حملة حج مخصصة لحج العاملات المنزليات، فقلت له إن شوارع مدينة الرياض مملوءة بمكاتب حملات الحج، ولا بد أن تجد من بينها ما هو مناسب، فقال إنه اتصل بعدد من هذه المكاتب، وكان يفاجأ بأن الحملة أقفلت بسبب اكتمال العدد، ثم اتصل قبل الحج بعشرة أيام، ليقول إنه وجد حملة وألحق عاملته الإندونيسية بها.
هذا الصديق أشار إلى أن هذه العاملة أمضت لديه عامين، وكانت مثال التعامل الطيب مع أسرته، التي كانت تشعر أنها جزء منها، فعاملوها على هذا الأساس، وحينما قاربت فترة عملها على الانتهاء، خيرها بين أن يمنحها مكافأة مالية نظير حسن تعاملها مع أبنائه أو أن يلحقها بحملة حج، فاختارت الحج.
آخر أمضت عاملة منزلية هندية الجنسية عنده 12 عاما، وشعر أن كبر سنها لم يعد يساعدها على العمل، إلا أنها طلبت البقاء عنده، فأبقاها واستقدم عاملة أخرى، وأصبح يعهد إلى تلك العاملة بالأعمال البسيطة، آخر يقول إن سائقه وبمجرد أن عمل لديه طلب منه سلفة لشراء أرض في بلاده، فأعطاه مبلغاً من المال كسلفة، دون أن يفكر في أن هذا السائق قد يهرب، مثل كثير من السائقين.
هذه النماذج، وهي كثيرة، تغيب عن وسائل الإعلام، في حين يظهر، وبشكل قوي، أي مظهر أو سلوك شاذ، وكأن المجتمع السعودي ليس مثل غيره من المجتمعات توجد فيه النماذج المشرفة، كما لا يخلو من شواذ يرتكبون من الجرائم ما يوجب الحجر عليهم وحماية أسرهم منهم.
في حادثة العاملة الإندونيسية يمكن أن نفهم أسباب ردود الفعل في إندونيسيا، وكيف تمت إثارة الشعب الإندونيسي عبر الإعلام والقوى السياسية المتصارعة التي ترى في مثل هذه الحادثة السبيل الأمثل لتحقيق مكاسب شعبية كبيرة، فأثيرت القضية في البرلمان والجمعيات الحقوقية والمجالس المحلية، كما سعى البعض إلى تحقيق مكاسب اقتصادية قد نرى معالمها عبر ما يطرحه الجانب الإندونيسي حول ملف الاستقدام.
إلا أن ما لا يمكن استيعابه ذلك الهجوم من قبل بعض الكتاب السعوديين على التعامل مع العمالة المنزلية في المملكة، وخلط أمور لا علاقة لها بالقضية، للوصول إلى نتيجة، وهي تجريم المواطن، وسحب قضية فردية على الجميع.
والغريب أن هذه الأقلام تناست مئات القضايا التي تطرح عبر وسائل الإعلام، عن قضايا العمالة ومشكلاتها، وهي قضايا تصل إلى قتل أطفال لا ذنب لهم، إلا وقوعهم بين يدي عاملة منزلية غير سوية.
وهذه القضايا على كثرتها وتكرار حدوثها لم تسع المملكة إلى استثمارها عبر التصعيد الإعلامي أو السياسي، فهي تدرك أنها قضايا شاذة لا ينبغي أن تنعكس سلباً على العلاقة مع الآخرين.
إن ما يكتب هنا يترجم هناك، ويؤخذ على أنه شهادات تؤكد ما يمارسه السعوديون من عنف ضد العمالة الأجنبية، وتُبنى عليه تقارير إعلامية وحقوقية لإدانة مجتمع بكامله، في حين لا يتجاوز الأمر انفعال كاتب يريد أن يسجل موقفاً، حتى لو كان في غير مصلحة وطنه.