«أيش جابك حارتنا»

تمر عليك في حياتك شخصيات لا يمكن أن تنساها، تكون لك بمثابة نموذج وتصبح لك قدوة تسعى لأن تتبع خطاها وتسير خلفها كيف لا وهذه الشخصية لا هم لها إلا التعريف بسيرة خير البشر نبينا محمد ـــ صلى الله عليه وسلم ـــ، كان من أعلام هذا الوطن بشكل عام ومدينة مكة وجدة بشكل خاص، لا تكاد تراه إلا مبتسما وإن غضب لم يغضب لنفسه بل يغضب من أجل الآخرين ومن أجل قضايا دينه وأمته، كان من القلائل الذين لا تملك إلا أن تحبهم وتحترمهم ويلهج لسانك بالدعاء لهم كلما ذكرتهم أو سمعت اسمهم، هذا هو معالي الدكتور محمد عبده يماني ـــ رحمه الله ـــ الذي توفي أول أمس بعد نوبة قلبية مفاجئة لم تمهله كثيراً حتى فارق الحياة.
من فضل الله علي أن سخر لي في بداية حياتي العملية أن أعمل مع رجل مثله، فكان قائدا ولم يكن مديرا، وكان ذا تعامل أبوي راق يجبرك على أن تضاعف الجهد وإن لم ينطق بكلمة، كان يشعرك بأنك صاحب العمل ولست موظفا، وعندما تبدأ حياتك العملية بصحبة قائد ميداني مثله ومعلم فذ وقامة من قامات الوطن ورجل نذر نفسه لخدمة الناس ومساعدتهم تشعر أن عليك واجبا ثقيلا يجب أن تقدمه ومسؤولية عظيمة كيف لا وأنت أحد تلامذة المدرسة اليمانية.
كان ـــ رحمه الله ـــ رئيسا لمجلس إدارة مركز جدة للعلوم والتكنولوجيا عندما كنت وقتها مديرا للمركز وكان حريصا كل الحرص على متابعة أحوال المركز وتفقد احتياجاته ودعم متطلباته، وكنت كلما أتيت إليه في مكتبه أو في منزله لتوقيع بعض الأوراق الخاصة بالمركز يبادرني بالسؤال (يا واد أيش جابك حارتنا)، كانت له لمسه أبوية حانية وبسمة صادقة قل أن تجدها هذه الأيام.
كان بارا بوالديه حريصا على خدمتهم ويفاخر بهم في كل مجلس ويصحب والده في كل مناسبة بل وفي إحدى المرات مرض والده فنقل مكتبه إلى المستشفى ليكون في جواره، كان معاليه من الوزراء القلائل الذين بقي أثرهم ونشاطهم بعد أن غادروا مقعد الوزارة في عام 1403هـ، فقد عمل نائبا لرئيس دلة البركة ومكنه هذا العمل من الانفتاح على المجتمع بشكل واسع، فهو من الوزراء الذين لم ينسهم الناس بعد أن تركوا مقاعدهم الوزارية بل بقوا في ذاكرة المجتمع بحضورهم ومشاركتهم وتفاعلهم في المناسبات وفي وسائل الإعلام، وكان يجد الاحترام والتقدير في كل مكان يذهب إليه، وبعد انتقالي من عملي كان حريصا على متابعتي فتارة بالاتصال وتارة بإرسال السلام وكم كنت أفتخر وهو يقول (هذا ولدنا).
وعلى الرغم من تأثره صحياً في بعض الأوقات إلاّ أنه كان نشيطا يواصل العمل ليل نهار وعلى مدى الـ 28 عاما الماضية وبعد خروجه من الوزارة كان كل عمله منصبا في مجال الدعوة والبر والخير وخدمة المجتمع، فنجده حاضرا في المناسبات وموجودا إعلاميا من خلال مقالاته وبرامجه التلفزيونية، قدم للمكتبة عديدا من المؤلفات المميزة وساعد في طباعة عشرات الكتب والمجلدات.
كان حريصا على نشر المحبة والخير والإصلاح بين الناس وكان حريصا على جمع الكلمة وتوحيد الصف، لم يأسره كرسي الوزارة ولم يقيده ولم يضف له شيئا كثيرا، بل زادت محبة الناس له وارتباطهم به بعد ترك منصبه الوزاري وزاد نشاطه الاجتماعي، فلا يكاد يكون هناك نشاط في مكة أو جدة إلاّ وهو خلفه يشد من أزره ويشجعه على المضي، أسأل الله أن يرحمه ويغفر له ويلهم أهله وذويه الصبر والسلوان، إنا لله وإنا إليه راجعون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي