الاختصاص القضائي في المنازعات الضريبية (2)

أثار مقال الأسبوع الماضي تساؤلين مهمين. التساؤل الأول أبداه قارئ تعليقا على المقال في الموقع الإلكتروني لجريدة ''الاقتصادية''، والتساؤل الآخر أثاره أحد الأصدقاء من رجال الأعمال، درس القانون في الجامعة، لكنه آثر الابتعاد عن مجال العمل القانوني، مفضلا ممارسة العمل التجاري، لكنه بحكم خلفيته القانونية متابع جيد للجوانب القانونية لعديد من قضايا الشأن العام.
التساؤل الأول الذي أبداه القارئ الكريم هو: ما وضع اللجان الضريبية الابتدائية والاستئنافية، حيث كانت تعد في ظل نظام ضريبة الدخل السابق محاكم خاصة؟.. بيد أنه يرى أن نظام ضريبة الدخل الجديد لم يقطع القول بشأن وضع هذه اللجان.
وأجيب عن هذا التساؤل بأن وضع هذه اللجان في تقديري واضح؛ فهي لجان إدارية ذات اختصاص قضائي في مجال المنازعات الضريبية. والتقاضي أمام هذه اللجان لا يبدأ إلا بعد تقديم المكلف بأداء الضريبة اعتراضا أي تظلما إداريا إلى مصلحة الزكاة والدخل بشأن كيفية ربط الضريبة عليه خلال 60 يوما من تسلم خطاب الربط، ووضعت المادة (60) من اللائحة التنفيذية لنظام ضريبة الدخل القواعد التفصيلية لإجراءات الاعتراض (التظلم الإداري)، حيث نصت الفقرة (1) من هذه المادة على ما يلي:
(يحق للمكلف الاعتراض على الربط أو إعادة الربط عليه من قِبل المصلحة خلال المدة النظامية المحددة بـ 60 يوما من تاريخ تسلمه خطاب الربط أو إعادة الربط، ويجب أن يكون الاعتراض بموجب مذكرة مسببة يقدمها إلى الجهة التي أخطرته بالربط، وعند انتهاء مدة الاعتراض خلال الإجازة الرسمية، يكون الاعتراض مقبولا إذا سُلّم في أول يوم عمل يلي الإجازة مباشرة).
كما نصت الفقرة (2) من المادة المذكورة أعلاه على ما يلي:
(تدرس المصلحة الاعتراض، وإذا اقتنعت بصحته وفقا لما قدم لها من مبررات ومستندات، فلها أن تقبل الاعتراض أو جزءا منه وتخطر المكلف بالربط المعدل على هذا الأساس، وفي حالة استمرار الخلاف بين المكلف والمصلحة ترفع المصلحة الاعتراض إلى اللجنة الابتدائية).
وتجدر الإشارة هنا إلى أنه طبقا للفقرتين (1) و(2) من المادة (61) من اللائحة التنفيذية، فإن كل لجنة ابتدائية تتكون من رئيس وثلاثة أعضاء على الأقل، ويجب أن يكون أعضاء اللجنة من المتخصصين في مجال المحاسبة، والأنظمة، والضرائب، أحدهم من موظفي مصلحة الزكاة والدخل، ولا تقل مرتبة أي منهم عن العاشرة أو ما يعادلها حسب نظام الخدمة المدنية. ويعاد تشكيل اللجنة الابتدائية كل أربع سنوات، مع مراعاة استمرار واحد أو أكثر من الأعضاء في اللجنة لفترة أو لفترات أخرى. وقررت المادة (62) من اللائحة المذكورة أن تتكون اللجنة الاستئنافية من رئيس وأربعة أعضاء على الأقل من ذوي الاختصاص في مجال المحاسبة والأنظمة والضرائب.
ولا أؤيد الرأي الداعي إلى إلغاء هذه اللجان ونقل اختصاصاتها إلى ديوان المظالم للأسباب التالية:
1 - يمكن القول من حيث المبدأ إن وظيفة الفصل في الخصومات والمنازعات على أساس القواعد القانونية، وإن كانت تباشرها في الأصل السلطة القضائية عن طريق المحاكم، إلا أنها ليست حكرا عليها بصفة مطلقة؛ إذ قد تباشر هيئات أو لجان إدارية سلطة الفصل في خصومات محددة قانونا. وفي كثير من دول العالم توجد هيئات أو لجان إدارية خوَّلها القانون سلطة الفصل في خصومات أو منازعات معينة وجعل قراراتها إما نهائية أو قابلة للطعن فيها أمام القضاء.
2 - إن اللجان الابتدائية والاستئنافية الضريبية، وإن كانت ذات اختصاص قضائي في مجال المنازعات الضريبية وأن قراراتها تتسم بطابع الأحكام القضائية، إلا أنه يمكن اعتبارها بحكم تكوينها من أعضاء متخصصين في مجال القانون والمحاسبة والضرائب، أنها أشبه بلجنة خبراء تؤدي دراستها للجوانب القانونية والمالية والمحاسبية للقضايا الضريبية إلى تخفيف العبء على ديوان المظالم في دراسة هذه الجوانب عندما ينظر في هذه القضايا بسبب تظلم أصحاب الشأن من قرارات هذه اللجان.
3 - من ناحية أخرى، يمكن القول إن قرارات اللجان الضريبية بالرغم من طابعها القضائي تكون بالنسبة إلى ديوان المظالم أشبه بتقارير مفوضي الدولة في محاكم القضاء الإداري المقارن، حيث يقوم هؤلاء المفوضون بدراسة القضايا وإبداء الرأي بشأنها لتكون تحت نظر المحكمة الإدارية عند النظر في القضية المعروضة عليها. والمعروف أن تقارير مفوضي الدولة غير ملزمة للمحاكم الإدارية. وقرارات اللجان الضريبية ـــ كما سبقت الإشارة في المقال السابق ـــ قابلة للطعن فيها أمام ديوان المظالم بموجب نظام ضريبة الدخل الجديد.
4 - صحيح أن إجراءات التقاضي بشأن المنازعات الضريبية أصبحت بموجب نظام ضريبة الدخل الجديد تستغرق وقتا طويلا؛ لأنها تمر بخمس درجات، الأول أمام اللجنة الابتدائية، والدرجة الثانية أمام اللجنة الاستئنافية، والدرجات الثالث والرابعة والخامسة في ديوان المظالم أمام المحكمة الإدارية، ثم محكمة الاستئناف الإدارية، ثم المحكمة العليا الإدارية. وهذا التطويل هو في الواقع في مصلحة المكلف بأداء الضريبة؛ لأنه هو المدين المطالب بأن يدفع للدولة مبلغ الضريبة، وبالتالي فإن تعدد درجات التقاضي يتيح له فرصا متعددة للدفاع عن موقفه، ومن ثم الاطمئنان بأن الخصومة لن تنقضي إلا بحكم نهائي لن يصدر إلا بعد أن نالت جميع أوجه المنازعة ما تستحقه وزيادة من بحث وفحص وتدقيق.
5 - إن المنازعة الضريبية قد تنتهي أمام هذه اللجان في حالة قناعة أطراف الخصومة بالقرارات التي أصدرتها هذه اللجان، ولا شك أن من شأن ذلك أن يخفف أعباء ديوان المظالم كقضاء إداري.
وترتيبا على ما سبق، فإنه لا ضرر من بقاء هذه اللجان، بل إن في وجودها فائدة، كما سلف القول.
أنتقل الآن إلى موضوع التساؤل الثاني الذي أبداه صديقنا (القانوني)، وكان هذا التساؤل يتعلق بالعبارة التي وردت في المقال السابق، التي نصها كما يلي:
(أنه على الرغم من أن اللجان الابتدائية والاستئنافية قد أنشأها نظام ضريبة الدخل، إلا أن اختصاصاتها في الواقع لا تنحصر في النظر في اعتراضات المكلفين بأداء الضرائب وهم الأجانب أفرادا وشركات، وإنما تختص أيضا بالنظر في الاعتراضات المقدمة من السعوديين بخصوص كيفية تقدير مصلحة الزكاة والدخل للزكاة المفروضة شرعا على أنشطتهم الاقتصادية).
ولقد تساءل صديقنا قائلا: طالما أن نظام ضريبة الدخل لم ينص على إدخال الاعتراضات الزكوية ضمن اختصاصات اللجان الضريبية فعلى أي أساس قانوني خوَّل وزير المالية هذه اللجان صلاحيات النظر والفصل في الاعتراضات المتعلقة بالربط الزكوي على السعوديين؟
الواقع أنني بحثت في هذا الموضوع فلم أجد نصا تشريعيا يجيز لوزير المالية إضافة هذه الاختصاصات إلى اختصاصات اللجان الضريبية، وكل ما وجدته في هذا الشأن ما يلي:
1- إن نظام فريضة الزكاة الصادر بالمرسوم الملكي رقم 17/2/28/8634 وتاريخ 29/6/1370هـ الموافق 7/4/1951م قرر في مادته الثانية ما يلي:
(تستوفي من الأفراد والشركات الذين يحملون الرعوية السعودية الزكاة الشرعية وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية السمحاء).
2- ورغم أن هذا النظام لم يخوّل وزير المالية صلاحية وضع لائحة تنفيذية للنظام، إلا أن وزير المالية أصدر قرارا برقم 393 وتاريخ 6/8/1370هـ الموافق 13/5/1951م، وضع بموجبه قواعد تفصيلية تتعلق بكيفية تقدير الزكاة وجبايتها وكيفية الاعتراض على الربط الزكوي للمكلف والفصل في هذا الاعتراض، حيث قررت المادة العاشرة من هذا القرار ما يلي:
(إذا وجد المكلف بالزكاة أن المبلغ المشعر بأدائه غير مطابق لواقعه يحق له أن يعترض على الإشعار الذي وصله بموجب استدعاء مسبب خاص يرسل بطريق البريد المسجل إلى الجهة التي أشعرته بذلك خلال 15 يوما من تاريخ وصول الإشعار إليه، وإلا سقط حقه في الاعتراض والمراجعة. ويجب عليه أداء المبلغ المشعر بأدائه).
وقررت المادة (11) من هذا القرار ما يلي:
(تقوم الجهة التي تلقت الاعتراض بتقديمه إلى اللجنة الابتدائية التي تتألف من الأمير أو من ينوب عنه وعضوية القاضي وأكبر مأمور مالي في المنطقة وثلاثة أشخاص من وجوه البلدة ينتخبهم المجلس الإداري سنويا، وتقوم هذه اللجنة بتدقيق اعتراضات المكلفين ويحق لها أن تراجع قيود ودفاتر وحسابات ومستندات أصحاب المؤسسات والتجار وكل ما يرشدها إلى استكناه الحقيقة، حيث يكون قرارها في غضون 15 يوما من تاريخ الاعتراض).
ويبدو من الوضع الحالي أن هذه اللجنة التي أسماها القرار الوزاري (لجنة بدائية) قد ألغيت ونقلت اختصاصاتها إلى اللجنة الضريبية الابتدائية.
وطبقا للمادة (12) من القرار المذكور آنفا، فإن لوزارة المالية والمكلف، في ميعاد لا يتجاوز 15 يوما من تاريخ استلام القرار، حق استئناف قرار اللجنة البدائية إلى اللجنة الاستئنافية المنصوص عليها في المادة (26) من القرار الوزاري رقم 340 الخاص باللائحة التنفيذية لنظام ضريبة الدخل (السابق).
ويتضح مما سبق وجود فراغ تشريعي في مجال الفصل في المنازعات الزكوية؛ لأن نظام فريضة الزكاة لم يمنح وزير المالية صلاحية إصدار لائحة تنفيذية، ولا صلاحية تشكيل لجان للفصل في منازعات الربط الزكوي. وفي تقديري، فإنه لا مناص من تصحيح هذا الوضع وأن تسعى وزارة المالية إلى استصدار قرار من مجلس الوزراء؛ لسد هذا الفراغ التشريعي يقرر صراحة اختصاص اللجان الضريبية بالنظر والفصل في المنازعات الزكوية.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي