مبادرة الملك عبد الله .. مسافة واحدة من جميع الأطراف
لم يكن مستغربا هذا الاهتمام الكبير والتأييد الواضح لمبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في دعوة القوى العراقية للحضور إلى الرياض لعقد لقاء للتوافق على حكومة وحدة وطنية تنهي الوضع المتأزم في العراق، فهذا الترحيب والاهتمام الكبير الذي عبرت عنه أوساط عراقية فاعلة، كما عبرت عنه عديد من الدول العربية، يمثل قناعة بأهمية الدور الذي تقوم به المملكة تجاه مختلف الأوضاع التي تعيشها الأمة العربية، وهي ترى في هذه المبادرة بارقة أمل لإنهاء الوضع المقلق الذي يعيشه العراق.
ومصدر هذا الاهتمام والتأييد للمبادرة لم يأت من فراغ، وإنما جاء من إدراك الجميع أن التحرك السعودي لإنهاء أي وضع متأزم عربيا أو إسلاميا يكون ذا أثر فعال وإيجابي إذا ما خلصت نيات الأطراف الأخرى، وتجربة المملكة في هذا المجال حققت نجاحا كبيراً في مهمات أصعب من الوضع الحالي في العراق، ولعل أبرز مثال على ذلك ما رعته المملكة من جهود مصالحة بين الأطراف اللبنانية عقب الحرب الأهلية، وكان من نتيجة ذلك توقيع اتفاق الطائف، وخروج لبنان من مأزق كان كثير من المراقبين يراهن على صعوبة الخروج منه.
إن مما يزيد من احتمالات نجاح المبادرة السعودية لحل أزمة العراق أن المملكة على مسافة واحدة من جميع الأطراف التي تهمها مصلحة العراق، كما أنها بعيدة عن فرض أجندتها على أي طرف، يضاف إلى هذا أن المملكة لم تدخل في عداء مع العراق، أو تكون لها أطماع فيه، والشعب العراقي يدرك هذا الأمر، وهو لم يعهد عن المملكة إلا كل خير، واحترام لوحدة العراق وسيادته.
ولعل من أبرز العوامل المساعدة على إنجاح هذه المبادرة أنها لا تخضع لشروط محددة سلفا، كما أنها بعيدة عن التدخلات الخارجية، وهدفها توفير أرضية تجتمع عليها جميع الفعاليات السياسية العراقية من كل أطياف الشعب العراقي لمناقشة الوضع المتأزم، بعيدا عن التدخلات الإقليمية، أو الضغوط الداخلية، وفي هذا فرصة كبيرة للوصول إلى نقاط التقاء تكون منطلقاً ينهي الاحتقان الذي يشهده الشارع العراقي.
وقد كان الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية واضحاً وهو يشير إلى أنه لا شروط مسبقة لمبادرة خادم الحرمين الشريفين، وأنه ليس هناك نية لحضور دولي، فهو اجتماع مخصص للعراقيين فهم أصحاب الشأن، وكذلك إشارة سموه إلى أن التركيز سيكون بشكل دقيق على استقلالية العمل والجهد العراقي ولن يكون هناك تدخل في شؤون العراقيين موضحا أن المبادرة تستند إلى قرارات القمة العربية وتحترم مكونات الشعب العراقي كافة.
كما بين سموه موقف المملكة من العراق، حيث أشار إلى أن المملكة تؤكد احترام وحدة وسيادة واستقلال العراق والحفاظ على هويته العربية والإسلامية مع التأكيد على عدم التدخل في شؤونه الداخلية من أي طرف كان، وكذلك احترام إرادة الشعب العراقي بمكوناته كافة في تقرير مستقبله السياسي لما فيه استقرار العراق وأمنه.
وهذا الموقف الواضح تجاه العراق لو التزمت به بقية دول الجوار، لكان العراق في أفضل حال، ولما وصل إلى المرحلة التي يعانيها الآن.