يا حسوفتك يا «ساهر»

كنت من بين المنافحين - ربما القلائل - عن نظام ساهر وعن أثره الانضباطي في حركة المرور في الطرق ولا سيما ونحن نشاهد فوضى هزلية لا يمكن وصفها في شوارع مدننا الرئيسة. وكنت - ولا أزال - أعتقد أن من أفضل الطرق لفرض الانضباط هو بوجود أسنان لأي نظام لا تعرف الكبير والصغير، فكانت فكرة مراقبة الطرق بالكاميرات واصطياد مخالفي السرعة من الأفكار التي رحبنا بها - نحن مجموعة أنصار ساهر. وعلى الرغم من بعض الانتقادات التي تمس ضرورة وجود توعية وأهمية التدرج في التطبيق التي لم تؤخذ بعين الاعتبار، إلا أنها كانت بمثابة ثمن إدخال نظام جديد قد يصاحبه بعض الهفوات، وأن تصل ولو متأخراً خير من لا أن تصل. ولكن أن يصل الأمر إلى تجارية / انتهازية في تطبيق النظام ودون مراعاة لظرفية تطبيق نظام جديد في بيئة لم تتأقلم عليه بعد، فهو الأمر الذي يستدعي التوقف.
التجارية في اقتناص الغرامات ليست الهدف الرئيسي لإقرار نظام ساهر. فهو نظام لم يقر العمل به لأجل زيادة الغلة المالية للدولة، بل لكبح جماح السرعة القاتلة ولجم حوادث الطرق وعسف السيارات الهائجة. ولهذا ليس من المقبول أن يتحول ساهر إلى أداة خفية مغناطيسية همها الرئيسي اجتذاب أكبر كمية من الغرامات بصور تجارية محضة. تجارية تشم فيها رائحة انتهاز الفرص والمرتفعات والمنخفضات والزوايا المختبئة. أتفهم أن يوجد عشرة آلاف كاميرا في أي طريق سريع أو بطيء. ولكني لا أتفهم أن توجد كاميرا واحدة في طريق سريع طويل لا توجد فيه لوحات إرشادية / تحذيرية ويتم غرز تلك الكاميرا بشكل خفي جداً إلا إن كان الهدف الرئيسي هو تعظيم المكاسب. إليكم الأمثلة.
يوم الجمعة الماضي، ما بين تقريبا الساعة السادسة والسابعة مساء كانت هناك ''حصالة'' ساهر متسمرة قبيل طلعة ''الجدية'' في مدخل الرياض الغربي. تخيلوا طريق الحجاز بأكمله لم تجد تلك السيارة إلا الوقوف تماما عند بداية الطلعة الشاهقة الارتفاع، والتي بشكل بديهي يتعامل معها كل السائقين تعاملا مختلفا - بحق أو دون - فلا بد من زيادة معدل سرعة السيارة قبل الوصول إليها حتى لا تزحف السيارة إلى الوراء في منتصف أو آخر الطلعة. جبال طويق الشاهقة التي أتعبت الأوائل والآخرين بشموخها لم تجد تلك الكاميرا إلا قعرها لتبحث عن السرعة الزائدة. لو أنها أتت قبل الطلعة بمسافة خمسة كيلو لكان الموضوع اعتياديا، ولكن أن تتسمر في تلك البقعة الجغرافية تحديدا فالموضوع ليس مجرد فرض انضباط مروري فقط. وإذا استمر مسيرك في نفس الطريق ستجد كاميرا أخرى مزروعة في التوائه منخفضة انخفاضا يستدعي ولو دون قصد سرعة متعدية، قبيل مخرج ضاحية لبن. ثم إن حصل ومررت بشارع التخصصي قادما من الثمامة أو من الصمان، دون إشارات أو مهدئات، فستلتقطك كاميرا مثبتة دوماً تبحث عمن يتجاوز سرعة 70 كيلو في الساعة. وقس على هذا غير هذا من الطرق الأخرى التي تتبدل فيها السرعات بشكل مختلف دون لوحات إرشادية مكثفة تخطر قائد المركبة باختلاف السرعة وعواقب مخالفتها.
العلم بالقانون مهم لتطبيقه. ولكن أن تقول لا تسرق - لا تسرع - ثم تقوم بتجويعه فترة طويلة - تدعه يقود لمسافة طويلة دون تحذير أو تذكير بالعواقب - وترمي أمامه أطايب المأكولات فجأة - ارتفاع طريق أو نزول منه - ثم تقتنصه في تلك اللحظة - وتلتقط له صورة تذكارية بكاميرا ساهر، فالأمر ليس فرضا للنظام فقط؛ ولا يخلو من معكرات تثير التساؤل. احترام النظام واجب في كل الأحوال والأوقات، ولكن ظرفية التطبيق تحتم أحيانا تعاملا مختلفا. فالتدرج ما وضع في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه. كما أن تكثيف اللوحات الإرشادية عامل مهم في تذكير السائقين بضرورة الالتزام بالسرعات المحددة. الهدف هو خفض السرعة لا زيادة الغلة.
طبقوا ما تشاؤون. ولكن لتكن الآلية والطريقة حسنة المظهر تستلهم غرس احترام النظام في الأذهان لا تشوبها شهوة انتهازية تريد تعظيم المكاسب المالية بل يحكمها في مبتدئها ومنتهاها إرساء تطبيق النظام وزرع الالتزام به. إذا لم يكن الأسلوب مناسباً، سندفع المخالفات فليس لنا حيلة، ولكن بإحساس يطوقه شعور الغبن والاستكراه. وستحرقنا الحسرة نحن أنصار ساهر على ضياع العنصر الروحي المهم في تطبيق النظام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي