سيئول تحتضن «العشرين»

تعقد مجموعة العشرين قمتها في سيئول خلال الفترة من 10 إلى 11 تشرين الثاني (نوفمبر) 2010م، ويتضمن جدول أعمال القمة مناقشة عدد من القضايا المهمة في الاقتصاد العالمي، كإصلاح صندوق النقد الدولي، وإطار النمو القوي والمتوازن والمستدام لدول المجموعة، وتشريعات المؤسسات المالية، وشبكات الأمان المالي العالمي، وموضوع الاشتمال المالي، وقضايا الطاقة كالإعانات وتذبذب أسعار النفط، والتنمية، وسلامة البيئة البحرية، إضافة إلى عدد من القضايا الأخرى التي سيناقشها القادة.
هذه القمة تأتي في وقت مختلف عن القمم السابقة، حيث أتت القمم السابقة، كقمة واشنطن ولندن وبتسبرج، في وقت كان الاقتصاد العالمي يحاول الخروج من الركود الاقتصادي الناتج عن الأزمة العالمية، وكانت لغة التحفيز المالي والنقدي هي اللغة السائدة. بينما جاءت قمة تورنتو في وقت تفاقمت فيه أزمة الديون السيادية في أوروبا، مما جعل لغة التسوية لمشاكل المديونية العامة هي السائدة. الآن تأتي قمة سيئول في وقت مختلف يشكل منعطفاً بالنسبة لمسيرة التعاون بين دول المجموعة، حيث تختلف بشكل كبير وتيرة النمو بين قطبي المجموعة، الاقتصادات الناشئة والاقتصادات المتقدمة، كما أن الأولويات بين الدول المتقدمة نفسها تختلف، بين دول ترجح أولوية النمو، وأخرى ترجح أولوية التسوية المالية.
هذا الافتراق بين أهداف وأولويات كل فئة أدى بالكثيرين إلى التشكيك في إمكانية استمرار المجموعة في تحقيق التقدم في إدارة قضايا الاقتصاد العالمي، وجعل آخرين يزعمون أن المجموعة – أي مجموعة العشرين – انتهى دورها الحقيقي، وأن بروزها إبان الأزمة المالية العالمية لم يكن إلا بسبب اتحاد المخاطر التي تواجه الاقتصاد العالمي برمته، مما أوجب على الجميع الاتحاد في مواجهتها. أما وقد تفرقت الأهداف، فهناك من يرى أن فعالية هذه المجموعة تراجعت، وأن قدرتها على مواجهة المخاطر المقبلة قد تضاءلت.
لكن الواقع أثبت عكس ذلك، ففي اجتماعات وزراء مالية دول مجموعة العشرين في كوريا الجنوبية الأسبوع الماضي توصل المجتمعون إلى قرارات تاريخية في مجال إصلاح صندوق النقد الدولي أعادت توزيع الأدوار بين الدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة، وإلى التركيز على أهمية التوازن بين دول الفائض والعجز في موازين الحسابات الجارية، الأمر الذي لم يكن أحد يتوقع إنجازه والاتفاق عليه قريباً. كما أن المجموعة الآن تعمل بشكل مستمر على تنسيق سياساتها في مجال السياسة المالية، والنقدية، والقطاع المالي، والإصلاح الهيكلي، والتنمية الخارجية، فيما يعرف بإطار النمو القوي والمتوازن والمستدام. أي أن لدى المجموعة أهدافاً تسعى إلى تحقيقها، ليس على المدى القصير فقط، ولكن على المدى المتوسط والطويل.
المجموعة أيضاً حققت إنجازات كبيرة خلال فترة قصيرة في تعزيز التشريعات المالية، ومن أبرز هذه الإنجازات الاتفاق على الإطار التشريعي والمدى الزمني لتنفيذ اتفاقية بازل الثالثة، وينتظر أيضاً أن تعزز قمة سيئول لمجموعة العشرين شبكات الأمان المالي العالمي والتي تهدف إلى توفير السيولة المالية للدول ذات الوضع الائتماني الجيد خلال الأزمات المالية. كذلك، تتوسع المجموعة يوماً بعد يوم في إطار القضايا التي تغطيها، حيث يتوقع أن تغطي قرارات المجموعة قضايا التنمية، والتجارة، والطاقة. كل ذلك يثبت أن إطار التعاون بين أعضاء مجموعة العشرين يتعزز، كما أن إطار القضايا التي تتناولها يتوسع بعد كل قمة، مما يعتبر انعكاساً لنجاح التعاون الكبير بين دول المجموعة.
ومن يشكك في فعالية مجموعة العشرين وينادي ببدائل أخرى لها، يخفى عليه أن أكثر ما ميز مجموعة العشرين وجعلها قادرة على التعامل مع كثير من القضايا المعقدة هو الشرعية التي اكتسبتها من خلال تمثيلها أولاً وبشكل متوازن للدول المتقدمة والاقتصادات الناشئة، وثانياً ما يمثله حجم المجموعة بالنسبة للاقتصاد العالمي، حيث تشكل ما يتجاوز 80 في المائة من حجم الاقتصاد العالمي، وثالثاً، أنها تضم أكثر الدول تأثيراً في الاقتصاد العالمي. وهذا جعل قراراتها تراعي بشكل كبير، ليس فقط الظروف الاقتصادية في الدول المتقدمة، ولكن أيضاً الظروف الاقتصادية في الدول النامية والأكثر فقراً.
بقي أن أتطرق إلى سؤال يطرحه كثيرون عن وضع المملكة في مجموعة العشرين. لماذا المملكة عضو في هذه المجموعة؟ وما الدور الذي تلعبه لتعزيز مصالحها؟ المملكة تتميز بأنها ذات تأثير كبير في الاقتصاد العالمي يفوق بشكل كبير تأثير كثير من الدول، وحتى بعض دول مجموعة السبع، في الاقتصاد العالمي. وهذا التأثير أو ما يطلق عليه Systematic Importance هو الأساس الذي بنيت عليه العضوية في مجموعة العشرين، وهو اعتراف من دول العالم قاطبة بأهمية ووزن المملكة في الاقتصاد العالمي.
فبما تملكه المملكة من احتياطيات نفطية تمثل 25 في المائة من إجمالي احتياطيات النفط في العالم، و75 في المائة من الطاقة الإنتاجية الفائضة للنفط، وإنتاجها الذي يوازي ما نسبته 10 في المائة من الإنتاج العالمي، وبالسياسة النفطية التي أسهمت بشكل كبير في استقرار الأسعار، كل هذه العوامل تعكس التأثير الكبير للمملكة في الاقتصاد العالمي الذي لا يجب أن نقلل من أهميته، كما تجعل المملكة صمام أمان بالنسبة للاقتصاد العالمي في حالة تناقص المعروض من النفط بشكل مفاجئ. إضافة إلى ذلك، تلعب المملكة دوراً كبيراً من خلال عضويتها في مجموعة العشرين في حماية مصالحها ومصالح الدول النامية وذلك في مختلف المجالات الاقتصادية، سواءً في دورها في المؤسسات الدولية، أو في السياسات المتعلقة بأسواق الطاقة، أو بحماية الاقتصاد العالمي من الأزمات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي