النفط والحروب .. المعادلة المعقدة

في عالمنا الحديث، لم يعد النفط مجرد سلعة اقتصادية، بل أصبح ورقة ضغط سياسية، ومؤشرا حساسا لأي تصعيد عسكري. عبر العقود الماضية، أثبتت الأحداث أن كل حرب أو توتر إقليمي يحمل في طياته تأثيرا مباشرا في أسواق النفط، وهذا ما يجعل العلاقة بين النفط والحروب معادلة شديدة التعقيد.

تاريخيا، قفزت أسعار النفط بشكل حاد في كل صراع كبير.

ففي حرب أكتوبر 1973، ارتفعت أسعار النفط بنحو 300% بعد أن قررت الدول العربية المنتجة للنفط فرض حظر على صادراتها للولايات المتحدة ودول غربية أخرى. وخلال الغزو العراقي للكويت عام 1990، قفز سعر برميل النفط من نحو 17 إلى 36 دولارا في غضون أسابيع، وسط مخاوف من تعطل إمدادات الخليج. أما خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فشهد السوق موجة تذبذب واسعة نتيجة القلق من استقرار المنطقة.

أما اليوم، فإن الحرب الدائرة بين إسرائيل وإيران التي اندلعت قبل 9 أيام، تعيد من جديد خلط أوراق السوق النفطي. فقد ارتفعت الأسعار تدريجيا وسط مخاوف من توسع الصراع في المنطقة الأكثر حساسية جغرافيا وإستراتيجيا لإنتاج وتصدير النفط. ومع تصاعد الاحتمالات بأن تتدخل الولايات المتحدة عسكريا، وربما توجه ضربات مباشرة للمفاعلات النووية الإيرانية، فإن الأسواق أصبحت أكثر قلقا من تحول الصراع إلى حرب مفتوحة تهدد الأمن الطاقي العالمي.

من أبرز مصادر القلق العالمي حاليا هو مضيق هرمز، الذي يمر من خلاله ما يقارب 20% من إجمالي النفط العالمي المنقول بحرا. أي تهديد بإغلاق أو حتى تعطيل جزئي لهذا الشريان الحيوي قد يتسبب في ارتفاع الأسعار بشكل مفاجئ، وربما يؤدي إلى أزمة إمدادات في الأسواق الأوروبية والآسيوية.

ورغم هذه التوترات، أعتقد أن العالم سيتحرك سريعا نحو احتواء التصعيد والضغط من أجل حلول دبلوماسية، خاصة من قبل القوى الكبرى التي تدرك مخاطر توسع الحرب على استقرار الاقتصاد العالمي.

في رأيي، فإن أسعار النفط سترتفع في المدى القصير، نتيجة التصعيد الأخير ودخول أمريكا طرفا مباشرا، لكن هذا الارتفاع سيكون محدودا بنسبة لا تتجاوز 5%، ما لم يتم استهداف البنية التحتية النفطية أو إغلاق مضيق هرمز فعليا.

في النهاية، تظل العلاقة بين النفط والحروب محكومة بالمفاجآت، لكن التاريخ يثبت أن النفط دوما يدفع الثمن الأول في كل صراع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي