الخليج .. وعقود التسلح
عقود التسلح الجديدة للمملكة ودول الخليج التي وصفت بأنها الأكبر في عقود التسلح مع الولايات المتحدة، ويتوقع أن تصل إلى 120 مليار دولار، هناك من وجد الفرصة ليطعن ويشكك في النوايا والأهداف، فقد انطلقت الأصوات المحسوبة على إيران لتقدم الصفقة على أنها موجهة ضد إيران، وكأن إيران لم تدخل في عملية عسكرية مكثفة وتسلح نووي، وفي الخليج لم يخرج أحد ليقول إن بناء القدرات العسكرية الإيرانية موجه لدول الخليج، فحسن الظن كان هو السائد مع إيران رغم أن مسؤوليها ومؤدلجي النظام هم من صرحوا بأن إيران مستعدة لضرب دول الخليج!
دول الخليج عليها أن تكون قوية وقادرة على حماية مصالحها وثرواتها ومكتسباتها، فالأفضل أن تكون قويا مهابا، ففي عالم اليوم وفي ظل اضطراب المنطقة لا مجال للركون للنوايا الطيبة، فالمفسدون في الأرض لهم أهدافهم سواء كانوا من جماعات الإرهاب أو المخدرات أو الجريمة المنظمة أو من الحكومات التي لا تعرف إلا العنف والبقاء على أنقاض الخراب.
ثم في دول الخليج لا يوجد عاقل يقدم إيران على أنها عدو.. صحيح أن إيران لها سلوكها الغريب ولها تدخلات خطيرة على الأمن العربي، ويتبنى جناح القوميين المتشددين (طموحات قومية فارسية) تتعارض مع التضامن العربي والإسلامي، ويمول المتطرفون في إيران قنوات وصحفا ومراكز أبحاث موجهة لإثارة المشكلات السياسية وإثارة الطائفية البغيضة، كما أن المتطرفين الإيرانيين يمارسون العبث بأمن العراق ولبنان واليمن.
على الرغم من هذا العبث في المنطقة إلا أننا في دول الخليج نعرف أن إيران بكل مكوناتها السكانية لا تلتقي على مبدأ العداء، فلا يوجد إجماع شعبي إيراني على موجة التدخلات في الشأن العربي المدفوعة من جماعات داخل إيران لها مصالحها وتصوراتها، فإيران ما زالت فيها قوى وتيارات سياسية واقتصادية لديها استعداد تام للتعايش وبناء المصالح المشتركة، وهناك من العقلاء في الجانب الإيراني يؤمنون بأن قوة إيران هي في تعظيم مصالحها مع جيرانها، وهذا لا يختلف عن الموقف الخليجي والعربي بشكل عام.
لذا يهمنا جدا أن تكون الصورة واضحة للشعب الإيراني، فنحن جميعا نواجه حقائق الجغرافيا، والصراع بين الجيران والإخوان الكاسب فيه خاسر، وليس من مصلحتنا ولا من مصلحة المنطقة أن تُربط مشاريع الدفاع بحالة التوتر على بعض الجبهات مع إيران، فهذا يقوي جناح المتشددين، ويوسع أجندتهم السياسية، ويعطيهم الوقود الشعبي ليستمروا في التكسب من مشروعهم الذي يقدم دول الخليج على أنها عدو لإيران.
عقود التسلح والدفاع لها إيجابياتها أيضا غير المباشرة على المنطقة. ففي السعودية، وعبر برنامج التوازن الاقتصادي، يتوقع أن يعاد استثمار ما يقارب 30 في المائة من قيمة العقود في الاقتصاد المحلي، وهذا يفتح مجالات عمل جديدة، ويساعد على توطين التقنية، كما سيتيح فرص التدريب والتأهيل المتقدم للكثير من السعوديين في مجالات تقنية وهندسية عديدة.
أيضا هناك التوجه الذي أطلقته وزارة الدفاع قبل عام، فقد تبنت الوزارة برنامجا للشراكة مع المصانع الوطنية لتصنيع المئات من قطع الغيار، وقد أتاح البرنامج للعشرات من المصانع الوطنية الاستفادة من التعاقد مع وزارة الدفاع، والعقود الجديدة سوف تحمل فرصا للاستثمار، خصوصا أن مشروع تطوير القدرات الدفاعية سيتم على عشر سنوات أو أكثر.
وفي هذا الإطار يمكن الاقتراح على وزارة التعليم العالي ووزارة الدفاع تشكيل فريق عمل يدرس إمكانية استفادة الباحثين السعوديين وأساتذة الجامعات من هذا المشروع، سواء في البحث أو التدريب، فالمعروف أن الشركات الأمريكية الكبرى لديها ميزانيات للبحث والتطوير، كما أن النظام الضريبي في أمريكا يدعم الإنفاق على برامج أو مشاريع لها طابع الخدمة أو البحث، فعبر هذا المشروع هناك مجالات عديدة لاستفادة القوى العاملة السعودية.