الحائض تثاب على ترك العبادة
الطهر المعتبر هو خلوص النقاء أي الطهر الخالص الذي لا يشوبه شيء من صفرة أو كدرة، وقد يكون الطهر ماء أبيض لا يشوبه شيء وهو الغالب وقد يكون جفافا ينقطع فيه الدم وأثره فيجب على المرأة الاغتسال، والصحيح أن حكم الحيض مستمر حتى تغتسل، لذا فسر كثير من العلماء قول الله تعالى: "يسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن".. يعني حتى يغتسلن، قال شيخ الإسلام وهو الصواب لأن الله وصف الحيض بكونه أذى فإذا انقطع واغتسلت فقد زال الأذى، إذا كانت قادرة على الاغتسال وإلا تيممت ولا تصح منها أي عبادة قبل الاغتسال أو التيمم عند العجز عنه، بل يحرم عليها إجماعا لما ثبت في الصحيح "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم".
وهنا مسألة يحسن التنبيه عليها وهي: هل تثاب على ترك العبادة كالمريض؟ وتوضيح هذه المسألة أن الحائض لا تجب عليها الصلاة ومأمورة بترك الصيام زمن الحيض وقد تترك الصيام في أيام فاضلة كأيام رمضان، فهل تقاس على المريض الذي قال فيه رسول الله، صلى الله عليه وسلم "إذا مرض العبد وسافر كتب له مثل ما كان يعمل صحيحا مقيما" رواه البخاري وغيره، قال في الفروع: ويتوجه أن وصف النبي، صلى الله عليه وسلم، للمرأة بنقصان الدين بترك الصلاة زمن الحيض يقتضي ألا تثاب على ترك الصلاة لأن نيتها ترك الصلاة زمن الحيض. أ.هـ.
قلت: والمتأمل لحكمة الباري وعدله وفضله وكرمه وقاعدة تغليب الفضل وقبول العذر ممن له عذر يظهر لي والعلم عند الله أن من كانت من النساء مداومة على الطاعة وملازمة للعبادة ولم يمنعها من الصلاة بأنواعها فرائض ونوافل إلا الحيض ألا تحرم الأجر والمثوبة، فتركها العبادة امتثال لأمر الله كما ورد صريحا عن أبي داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص وعن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أن العبد إذا كان على طريقة حسنة من العبادة ثم مرض قيل للملك الموكل به اكتب له مثل عمله. وفي حديث عائشة عند النسائي "ما من امرئ تكون له صلاة من الليل فغلبه عليها نوم أو وجع إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة"، فإذا كان في النوم فكيف بالحيض الذي لا قدرة للمرأة على دفعه فكل من يعمل بطاعة فمنع منها وكانت نيته لولا المانع أن يداوم عليها ألا يحرم ثوابها فضلا من الله وكرما، لذا أوصى أخواتي المسلمات بحسن النية، وألا يغلبن نية ترك العبادة بل ينوين فعلها لولا المانع فهن بذلك شريكات لمن عمل العبادة، ولقد أحسن من قال:
يا سائرين إلى البيت الحرام لقد سرتم جسوما وسرنا نحن أرواحا
إنا أقمنا على عذر وعن مرض ومن أقام على عذر كمن راحا