«ساهر» .. الخطوة الأولى فقط
بدأ مشروع ساهر المروري .. والمشروع جاء متأخرا, لكن أن يأتي متأخرا أفضل من ألا يأتي, والمشروع لا نعتقد أنه (كاف) لمحاصرة ظاهرة القيادة المتهورة لدينا, فقد وصلنا إلى مرحلة حرجة، والمملكة تتصدر دول العالم في حوادث الوفيات والإصابات، وتكلفة إعادة تأهيل المصابين من الجروح والحروق والكسور العام الماضي 28 مليار ريال والعام الذي قبله 25 مليار ريال، وهذا بخلاف خسائر الأرواح والتبعات النفسية والاجتماعية وتلف الملكيات العامة والخاصة.. ولا ننسى حالة (قلة الأدب) وعدم الاحترام التي يعكسها البعض منا في سلوكيات القيادة!
نقول هذا المشروع غير كاف لأن تدهور سلوكيات القيادة يحتاج إلى المحاصرة عبر مشروع كبير توفر له الإمكانات المادية والبشرية، يبدأ من الإنسان ثم المركبة ثم الطريق, مع الحوافز والضوابط النظامية المصاحبة. في إطار الإنسان، قبل 20 عاما كنا أكثر تقدما في نظرتنا إلى المشكلة, فقد كانت الجهود مبذولة لإطلاق مشروع للثقافة المرورية يبدأ من مراحل التعليم الأولى, وفعلا كان هناك توجه لتخريج مدرسين في كليات التربية يتخصصون في تدريس مادة السلامة المرورية, لكن هذا المشروع (مات), ومؤسف إنسانيا ووطنيا أن تموت المشاريع الوطنية!
أيضا الطريق لا يمكن عزله عن مسببات المشكلة المرورية, فتصاميم الطرق ظلت لسنوات طويلة لم تتغير رغم التطورات الحديثة في التصاميم الحضرية للمدن, وتطور هندسة المرور والنقل. منذ بضع سنوات بدأت البلديات الالتفات إلى ضرورة إعادة تأهيل الطرق لتكون أكثر أمانا وأقل مفاجآت .. وما زالت تحتاج إلى الكثير.
ما تحتاج إليه الطرق هو أن تكون معززة بكل ما يعين السائق على الانضباط المروري وعلى تذكر وإدراك كل ما تحدده أنظمة القيادة وضوابطها .. أي تحويل كل محتوى النظام ليكون على الطريق عبر الشواخص والإشارات والمرشدات المرورية, فقائد المركبة يتخذ قرارات سريعة ومصيرية ويحتاج بشكل دائم إلى المنبهات البصرية التي تعيده إلى استحضار التعاليم والضوابط المرورية والاسترشاد بها.
هذه ضرورية لأن أغلبية قائدي المركبات تتوافر فيهم النزعات الأخلاقية والحوافز للالتزام بالأنظمة واحترامها وتقدير حقوق الآخرين, وتكريس هذه النزعة لدى قائدي المركبات يحتاج إلى البواعث التي تذكرها لتكون مطيعة وخاضعة للقوانين والأنظمة. والناس لديهم المحفزات الإنسانية والأخلاقية لتقدير مصالحهم ومصالح الآخرين ما جعل الأغلبية لدينا تستبشر بإطلاق مشروع (ساهر) وتراه ضروريا.
وهنا تأتي كفاءة الأجهزة المشرعة والمنفذة للأنظمة كي توفر للناس العوامل التي تحيي فيها نزعات الخير ومحفزات السلوك كي تقبل الأنظمة وتنصاع لها .. ووزارة الداخلية أمامها فرصة تاريخية لإعادة الهيبة لأنظمة المرور عبر (إعادة استثمار الأموال) التي يوفرها مشروع (ساهر) لإعادة تأهيل الطرق عبر تكثيف المرشدات المرورية في جميع الطرق، بحيث ترشد السائق إلى اتباع الطرق السليمة للقيادة. مثلا, يجب وضع اللوحات التي توضح اتجاه المسارات في الطرق (يمين ـ يسار ـ إلى الأمام) لتكون مرسومة على الطريق ومعلقة في لوحات فوق المسارات كما هو متبع عالميا.
طبعا هذه تحتاج إلى نفقات مالية, ولا أعتقد أن لنا العذر الآن في عدم تنفيذها, فالدخل من تحصيل المخالفات كبير, وإذا استثمر بشكل سليم سيساعد على محاصرة المشكلة المرورية خلال السنوات المقبلة .. مشروع (ساهر) مبادرة وطنية مهمة لكنها غير كافية, نحن نحتاج إلى إعادة تأهيل السائقين عبر إعادتهم إلى مدارس القيادة, إعادة تأهيل الطرق, رفع كفاءة رجال المرور عبر التدريب المكثف, والتشديد في تطبيق الأنظمة التي تخص المركبة وسلامتها.
مشروع (ساهر) هو البداية للمشروع الكبير, فالمرور مشكلة وطنية, الآن بدأنا الخطوة المهمة لحلها, ولعلنا لا نتراجع خصوصا مع ظهور المؤشرات الأولى لانخفاض الحوادث التي أعلنها مرور الرياض.