قراءة في هبوط سوق الأسهم.. وأهم التداعيات
<a href="mailto:[email protected]">algudhea@yahoo.com</a>
في أعقاب انهيار بورصة طوكيو، والذي عكسه مؤشر نيكاي عندما هوى المؤشر من نحو 38 ألف نقطة إلى تسعة آلاف نقطة، توالت التداعيات على الاقتصاد الياباني، فشملت إفلاس الكثير من المحافظ الاستثمارية، وعدم قدرة المقترضين على السداد، كما استمر التأثير حتى منتصف التسعينيات عندما أعلنت ثلاث مؤسسات مالية رائدة إفلاسها نتيجة لتضاعف معدلات المديونية لديها وتراجع عوائدها. ويعتقد بعض الباحثين أن الاقتصاد الياباني يعاني حتى هذه اللحظة من التراجع في أداء القطاع المالي الناجم عن إشكاليات الانهيار آنذاك.
بدايةً، لم تدخل السوق السعودية هذه المرحلة حتى الآن، فانخفاض المؤشر رغم حدته لم يسجل حتى كتابة هذا المقال "يوم الإثنين 27 شباط (فبراير)" ما يمكن تسميته بالانهيار أو انفجار الفقاعة الناجمة عن تضخم أسعار جميع الشركات المدرجة تقريباً.
أما عن المسببات الظاهرية لهذا التراجع، فكما يبدو أنها تعود إلى تزايد وتيرة الشائعات أخيرا بأن كبار المتعاملين في السوق (من فئة المضاربين تحديداً) بدأوا موسهم الهجرة إلى أسواق أخرى. سبب هذه الهجرة كما تعزوها الشائعة أتى نتيجة "غضب" أولئك المتعاملين من هيئة السوق المالية و"استنكارهم" للقرارات التي أصدرتها الهيئة أخيرا وتلك القرارات التي من المتوقع أن تصدرها مستقبلاً، كقرارات الإيقاف بشأن عدد من كبار المضاربين بتهمة التضليل والتلاعب بأوامر البيع والشراء، والقرار الخاص بخفض نسبة التذبذب السعري اليومي من 10 في المائة إلى 5 في المائة، إضافة إلى التوقعات حول إنشاء سوق أسهم "موازية" للشركات المتعثرة، والشركات المدرجة حديثاً بمؤشر مختلف ونظام تداول آخر.
وكما أن لأسواق الأسهم حساسية خاصة للشائعات وتفاعل السلوك الإنساني معها، فقد كان لهذه الشائعة بغض النظر عن صحتها آثار نفسية ليست بالهينة على كثير من المتعاملين. فقد تولد الإحساس لدى الكثير من المتعاملين بأن خروج هذه السيولة من السوق سيؤدي حتماً إلى هبوط حاد في السوق. وبالتالي ما إن بدأت إشارات الانخفاض، حتى هرع الكثير من المتعاملين إلى البيع العشوائي. حتى وصل الأمر إلى "حالة من الإصرار على البيع يقابله إحجام شديد عن الشراء". بالطبع عندما لا يتم تنفيذ معظم أوامر البيع (أي أن هناك أسهما لا تجد من يشتريها)، فإن هذا يقودنا إلى احتمال أن معظم السيولة ربما لم تستطع الخروج من السوق (هذا إذا افترضنا حسن النية وأن جميع أوامر البيع تُعامل من قبل البنوك على حد سواء، أي أنه لا يتم تنفيذ أوامر البيع لأشخاص دون غيرهم!). وبالتالي، فهناك إشارات أن السيولة ما زالت محتجزة داخل السوق، وربما تقتنص هذه السيولة "المحبوسة" فرصة لتعويض الخسائر من خلال العودة إلى الشراء مجدداً.
حقيقةً، لا أحد يعلم إلى متى سيستمر التراجع في المؤشر، ولكن لن يتوقف حتى تتولد القناعة لدى المتعاملين أن لا جدوى من البيع إذا لم يقابله شراء، أو أن تظهر نزعة شراء جديدة سواء من خلال بعض المحافظ الاستثمارية الكبيرة، والصناديق الاستثمارية، أو أن يكون هناك تدخل مؤسسي مباشر للشراء.
أما عن التداعيات المحتملة لمثل هذا الهبوط في حال استمراره والدخول في نطاق الكارثة، فربما تأتي من خلال فقدان الثقة بسوق الأسهم السعودية، هذه الثقة تحتاج إلى فترة من الزمن لاستعادتها وهي أساس لاستمرار السوق للقيام بدورة في الاقتصاد. أضف إلى ذلك التداعيات المالية على الأفراد والمؤسسات المالية (البنوك بالتحديد)، فالكثير من المتعاملين دخلوا السوق من بوابة الاقتراض المباشر من البنوك، ووصول السوق إلى حالة من الهبوط الحاد والمستمر قد يزيد من مديونية الأفراد المقترضين وربما الدخول في مرحلة عدم القدرة على السداد. وهذا كفيل برفع مستوى الديون المعدومة لدى البنوك والذي قد يشكل خطراً على أدائها المالي ولا سيما أنها مقبلة على مرحلة هي أحوج فيها إلى استخدام جميع الأسلحة التنافسية اللازمة. ناهيك عن الآثار السلبية المترتبة على القدرة الشرائية للأفراد في حال فقدانهم لمدخراتهم أو تزايد أعباء المديونية التي قد تنتهي ببعضهم إلى الدخول في دائرة الفقر أو الاختناقات الاجتماعية السلبية الأخرى.
أما عن التداعيات "الإجمالية" على مستوى الاقتصاد فربما لا تكون شديدة الوطأة، حيث يعمل الاعتماد الملحوظ على إنتاج النفط في هذه الحالة كصدفة قادرة على حماية الاقتصاد السعودي من الدخول في مرحلة الركود في حال استمرت المؤشرات الإيجابية في السوق النفطية. أيضاً، لا يزال الاقتصاد السعودي في المراحل الأولى من "الازدهار الاقتصادي الجديد" وهو بصدد الدخول في تحولات هيكلية كبيرة وقادرة على انتشال السوق المالية السعودية برمتها من براثن الانهيار وليس فقط التراجع. وربما يبقى التأثير محدوداً في تراجع مستوى الإنفاق الاستهلاكي الخاص.
ختاماً، الكثير يدرك أن أسواق الأسهم تتميز بحساسية فريدة للأحداث والتحولات الهيكلية. ولتجنب الآثار السلبية لمثل هذه التحولات، قد يكون ملائماً اتخاذ الوسائل الاحترازية اللازمة من خلال التعامل مع عقلية جميع المتعاملين في السوق سواءً كانوا كباراً أو صغاراً من خلال الاحتواء المباشر عند وضع السياسات ذات العلاقة بالسوق. فمثلاً، ربما كانت هيئة السوق المالية بحاجة إلى توعية أولئك المتعاملين بمثل هذه القرارات وأهميتها وفوائدها الحالية والمستقبلية على السوق من خلال عقد ورش العمل والندوات حول القرارات الاستراتيجية في خطوة تسبق اتخاذ تلك القرار، وذلك لضمان التفاعل الإيجابي من الجميع مع هذه القرارات بدلاً من الاصطدام بها. وأيضا، لكي تكون الرؤية واضحة لدى جميع المتعاملين بأن الهيئة ليست بصدد الدخول في صراعات "هامشية" مع مجموعة من المتعاملين في السوق من جهة، ولتوضيح دورها الوطني في تطوير سوق رأس المال والخروج بها من مفهوم سوق الأسهم البسيط إلى مفهوم أكثر شمولية، والرفع من قدرة السوق لتكون أداة تمويلية كفؤة قادرة على خدمة التوجهات الاقتصادية بتوسيع مشاركة القطاع الخاص بما يخدم الاقتصاد الوطني على المدى الطويل. ولمن يتخذ التضليل وسيلة لتضخيم أسعار الشركات وجر البسطاء من المتعاملين خلفه لتحقيق المكاسب على حسابهم وحساب السوق واقتصاد الوطن، يجب أن يعي أن هذا تجاوز "أخلاقي" لا يمكن تبريره بأي شكل كان!