في ذكرى يوم الوطن .. ملامح من سيرة الملك عبد العزيز مع خصومه (1 من 2)

جوانب عديدة من سيرة الملك عبد العزيز ـــ رحمه الله ـــ لم تأخذ نصيبها الكافي من الدرس والتحليل على الرغم من دورها الكبير والمؤثر في مسيرة توحيد المملكة، من بين هذه الجوانب جانب مهم يتمثل في طريقة الملك عبد العزيز في التعامل مع خصومه الذين عاش في حروب مع كثير منهم، وحينما تمكن من هؤلاء الخصوم استطاع بحنكته ودهائه، وحسن تعامله أن يحولهم إلى جزء من مشروعه الوحدوي الكبير، فكان منهم مرافقوه وموظفوه وسفراؤه وقادة جيشه وأجهزة أمنه.
في هذا التعامل مع الخصوم تتجلى كثير من صفات ''عبد العزيز'' القيادية والإنسانية، وتتضح أبعاد مشروعه، فهو لم يكن يسعى إلى سلطة، وإلا لكان تخلص من جميع الخصوم، ولم يكن يبحث عن مال وهو الذي انطلق في تنفيذ مشروعه الوحدوي من منطقة كانت تعاني شظف العيش، وصعوبة الحياة، كما أنه لم يكن رجل ثورة، وإلا لكان ضحى بكل من وقف معه، بعد أن يصل إلى السلطة، كما تفعل الثورات غالبا، فهي بالعادة تأكل أبناءها ومن على أيديهم قامت، الملك عبد العزيز في تعامله مع الخصوم كشف عن شخصية متسامحة لا تتحكم بها شهوة الانتقام وإذلال العدو، شخصية قادرة على الموازنة بين الأمور، فتتعالى على جراحها، ولا تترك مجالا تطغى فيه العاطفة على العقل، بل تقدم ما فيه المصلحة العامة على ما قد يريح النفس من شعور بالتفرد والقوة والنصر.
ولم يكن هذا الموقف الإنساني النبيل خاصاً بمن انضووا تحت لوائه، بل كان ينهج هذا النهج حتى أثناء الحرب، فلا يبدأ بعدوان، بل يمنح الخصم الفرصة تلو الفرصة للتراجع، وإذا ما رأى أن المواجهة واقعة لا محالة، كان ينهى جنوده عن أذية من لم يقابلهم، ويمنعهم من التعدي على النساء والبيوت والأموال، ففي إحدى المعارك خاطب جيشه قائلا: ''أننا هاجمون على هذا البلد، فاحذروا أن تؤذوا من لا يعترضونكم، أو تسيئوا إليهم بشيء، حاربوا من حاربكم، وسالموا من سالمكم، أما البيوت فلا تدخلوها، وأما الحريم فمن اعتدى عليهن فيدي عليه''.
هذا النهج في مواجهة الأعداء أوضحه الملك عبد العزيز بقوله: ''إني جعلت سنتي ومبدئي ألا أبدأ أبداً بالعدوان، بل أصبر عليه وأطيل الصبر على من بدأني بالعداء، وأدفع بالحسنى ما وجدت لها مكاناً، وأتمادى في الصبر حتى يرميني القريب والبعيد بالجبن والخوف، حتى إذا لم يبق للصبر مكان ضربت ضربتي وكانت القاضية''.
الملك عبد العزيز كان لديه حلم وطموح لبناء دولة مترامية الأطراف، عبر توحيد أجزاء هذه الدولة، وأثناء سعيه لتحقيق هذا الطموح الكبير لم يكن يعاني نظرة إقليمية ضيقة، بل كان يحمل هم العروبة والإسلام، ويرى في هذه الدولة إعزازا لدين الله تعالى، ولهذا السبب نرى ''عبد العزيز'' في مراحل بناء الدولة وقد استعان بكفاءات من مختلف الدول، ليساعدوه على تنظيم الدولة، ونقلها إلى مرحلة الدولة العصرية، وكان له ما أراد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي