اقتصاديات البطالة بين الكاشيرات ومحطات الوقود

قرأت في إحدى الصُحف المحلية خبرا مفاده بقيام بعض الاقتصاديين بمطالبة وزارة العمل لسعودة جميع الوظائف في محطات الوقود، عِوضا عن الاكتفاء بتوظيف مشرف سعودي فقط على كل محطة، وبيّن الخبر عن وجود ستة آلاف محطة وقود، مما يوفّر 40 ألف وظيفة للسعوديين. في الحقيقة، لا أعلم كيف وصل الإخوة الاقتصاديون إلى هذا العدد من الوظائف، بالقسمة البسيطة لعدد الوظائف المقترحة على عدد المحطات يظهر لنا وجود ما يعادل سبعة وظائف تقريبا في كل محطة، هل هذا من المعقول أو هل هذا ما نراه عند زيارة أي من هذه المحطات؟ إلا إذا كان عدد الوظائف مضافة إليه محال البنشر، وغسيل السيارات وربما البقالات الموجودة في المحطة!. أو ربما قسّم الاقتصاديون العمل على ثلاث ورديات من ثماني ساعات، يعمل في كل وردية عاملان ومشرف، لكن في هذه الحالة سيرتفع عدد الوظائف المتاحة إلى 54 ألف وظيفة. وهل يُعقل أن بلدا بحجم المملكة العربية السعودية توجد بها ستة آلاف محطة وقود فقط؟
ألا تلاحظون أننا نتقدم بالطلبات الخاصة بسعودة بعض الوظائف والمهن في القطاع الخاص وكأننا قد فرغنا وأنجزنا كل المطالبات السابقة وتمت سعودتها 100 في المائة. هل أكملنا سعودة مجال الليموزين؟ هل أكملنا سعودة مجال الخضار والفواكه؟ هل أكملنا مجال مبيعات المصوغات والذهب؟، أم نحن نتقدم لوزارة العمل فقط لإضافة هذا المجال إلى قائمة المهن التي تجب سعودتها دون الخوض غزيرا في حيثيات المهنة المقدمة. هل حقا نحن نعلم ما إذا كانت هذه المحطات تُدار من قِبل أصحابها السعوديين، أم هي مؤجرة من الباطن للأجانب الذين يعملون فيها؟، في حال أنها تُدار من قِبل أصحابها السعوديين فهذا جيد، أما إذا كانت مؤجرة فهل سيترك الأجنبي ابن جلدته ويوظف سعوديين بدلا عنهم؟ لنكن واقعيين في هذا، فنحن نعاني عُقدة الأجنبي في قطاعات أكبر ولا تقارن بقطاع محطات الوقود. ما زلنا نعيش معضلة 113 ألف شاب سعودي تقدموا لشغل 700 وظيفة برتبة جندي في الدفاع المدني، مما اضطّر كثيرا من حملة الشهادة الجامعية للتنازل عن شهاداتهم الجامعية في مقابل وظيفة يمكن أن يشغلها خريج الثانوية أو المتوسطة، فهل المطلوب هنا أن يتنازل حَمَلة الشهادة الجامعية عن شهادتهم لشغل وظيفة يمكن أن يشغلها خريجو الابتدائية أو من لم يذهب أصلا للمدرسة؟. لا أعلم لماذا من يطالبون بسعودة وظائف ومهن في القطاع الخاص يأخذون في عين الاعتبار أن جميع العاطلين عن العمل هم ممن لا يحملون أي شهادة، وهم عاطلون عن العمل لذلك السبب، مما يجعلني أشك في أن من قام بالرفع لوزارة العمل بسعودة مهن محطات الوقود هم من رجال الاقتصاد الذين يعون جيداً الهرم الوظيفي المهني والمتطلبات الأكاديمية والتقنية لكل قسم في الهرم الوظيفي، ويعرفون جيداً الهامش الربحي الثابت لمحطات الوقود، الذي من خلاله يصعُب وضع حد أدنى للأجور.
من يذهب لأي من المستشفيات والمستوصفات الخاصة يرى أخواتنا السعوديات يعملن في الاستقبال وكاشيرات، وأخيرا لاحظت أن بعضهن يعملن في الصيدلية الداخلية للمستشفيات الخاصة الكبرى. لا أعلم ما هو متوسط الرواتب لهذه الوظائف، ولكني أُخمّن أنها زهيدة بسبب العرض الشحيح والطلب الهائل على هذه الوظائف. على ما يبدو أن القاعدة الوظيفية النسوية ستمر بمرحلة توسعية في مجالات أخرى مناسبة، بالتالي أرى أن الوقت قد حان لوزارة العمل للبدء في العمل على إرساء القواعد والبنود الخاصة بالتوظيف النسوي، وعلى رأسها وضع حد أدنى للأجور لكل وظيفة حسب حجم المسؤولية التي تحملها، فعمل الكاشيرة لا يوازي موظفة الاستقبال لما تحمله من المسؤولية النقدية والمقاصة والتسوية في نهاية الدوام.
الطرح ليس بجديد عهد على وزارة العمل، فقد كان هنالك الكثير من الأخذ والرد فيما يخص موضوع وضع الأسس والتعليمات المنظّمة للعمل النسوي في القطاع الخاص، لكن ثمة نورا في آخر النفق، وهي فرصة ذهبية سانحة لوزارة العمل للأخذ بزمام الأمور والمضي قُدما لإعادة النظر في المواضيع التي يبدو أنها وضعت قيد الدراسة لفترة طويلة، والقاضية بالسماح لفتح مجالات للتوظيف النسوي في القطاع الخاص، والقيام بالاستباقية المطلوبة من الوزارة لوضع الحدود التي من خلالها تتيح لأخواتنا السعوديات العمل براتب مجزٍ، وحفظ حقوقهم الوظيفية أسوة بغيرهم.
لكم دعائي بدوام الصحة والعافية،،

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي