الذكرى الـ 30 لمجلس التعاون الخليجي

في 25 من أيار (مايو) عام 2011 يكمل مجلس التعاون الخليجي 30 عاماً من عمره، جرت خلالها أحداث، وولدت أجيال، وطبقت سياسات، وظهرت مواقف، كما جرت أقلام بأبحاث ومقالات ورسائل جامعية في العالم العربي وفي الخارج، ولعل هذه الذكرى فرصة لمراجعة ما فات والتخطيط لما هو آت ويكون السؤال الجوهري هو ما مستقبل مجلس التعاون الخيلجي بعد نظرة صادقة ومراجعة أمينة لما حدث طوال العقود الثلاثة الأخيرة.
والحق أنني كنت وسط هذه المراجعة، كما أنني انغمست في قضايا المنطقة منذ أواخر الستينيات من القرن الماضي باحثا وممارسا للعمل الدبلوماسي وكاتبا ومفكرا يحاول أن يهتدي وسط الأنواء إلى بوصلة المصلحة العربية والخليج. وكان مشروع اتحاد الإمارات الذي انفرط عقده في نهاية تشرين الأول (أكتوبر) 1970 في الوقت الذي حسم فيه شعب البحرين في استفتاء دولي خيار عروبة البحرين على فارسيتها المزعومة، وكان فشل آخر اجتماع للمجلس الأعلى لحكام الإمارات التسعة (وهي البحرين وقطر والإمارات السبع) إيذاناً بمرحلة جديدة. وفى الرياض في أيار (مايو) 1983 أصدرت الكتاب الأول عن مجلس التعاون الخليجي في ذكراه الثانية بعنوان الإطار القانوني والسياسي لمجلس التعاون الخليجي ''ثم تابعت دراساتي حول المجلس وشؤون الخليج في خمسة كتب أخرى، وعشرات الأبحاث في المجالات المتخصصة ومجلة ''المجلس''، ولذلك فإنني بهذه المناسبة أزف التهاني المبكرة لكل السواعد المخلصة المؤمنة بالتماسك بين دول الخليج، وبأن هذا الصرح جزء من دعم الوحدة العربية الشاملة، وآمل النظر في عقد ندوة دولية علمية منذ الآن لتقديم أوراق المتخصصين حول جميع التحديات التي واجهها المجلس وأعضاؤه، وكيف صمد المجلس أمام طوفان الأحداث والنوائب، وأخص بها الحرب العراقية الإيرانية وشظاياها على الخليج وأهله وثرواته ودوره القومي، والغزو العراقي للكويت مرورا إلى الغزو الأمريكي للعراق في أكبر تحد مباشر ليس فقط للأمن القومي الخليجي، وإنما لمفهوم الأمن القومي العربي، وعلى فكرة العروبة من أساسها مما زلزل هذه المفاهيم، ولم نسمع عن الأمن القومي العربي منذ هذا الزلزال المدمر الذي كان السطر الأول في تاريخ العراق الحزين وغزوه واحتلاله وتقسيمه، إلا في قمة الرياض العربية بعد ذلك بعقود منذ سنوات قليلة. وقد قلبت الثورة الإسلامية في إيران معادلات كثيرة وألقت بقضايا معقدة تصدى المجلس للتعامل معها، وكلها مما يحتاج إلى دراسة معمقة وتحليل علمي، ما يفيد كثيراً في توثيق صفحات مهمة في تاريخ الخليج المعاصر برؤية عربية. ومن المفيد أن تشارك مراكز البحوث العربية والجامعات والمؤسسات العلمية وأن تتعدد الرؤى حول قضايا المنطقة، وفي قلبها قضية الأمن المتطورة والمتغيرة في عصر تراجع الأمن القومي العربي الذي كان– من الناحية النظرية على الأقل– ضمانا نفسيا لدول المنطقة. وقد تخرج هذه الندوة برؤية حول السياسات التي يمكن للمجلس الاستعانة بها فى السنوات المقبلة.
وأخيراً، فإنني أدعو من يتصدى لتقييم مدى نجاح المجلس في تحقيق أهدافه الأولية أن يلحظ عظم التحديات والحساسيات وتباين الاتجاهات، وضغوط الخارج على قرارات الداخل الخليجي، لأن الهدف في النهاية هو البناء والتقويم، وليس جلد الذات مهما تواضعت الإنجازات قياساً على الطموحات والآمال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي