قرارات العفو .. الحفاظ على الكيان الأسري
عندما نحاول رسم صورة عامة لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، تعجز المخيلة عن تجسيد الجانب الإنساني طوال مسيرته، أيّده الله، فهو بالرغم من مكانته ومهابته، فقد فاقت إنسانيته معظم ملامح شخصيته، وغطت هذه السجايا الكريمة آلام الإنسان السعودي وتجاوزته إلى المسلم والعربي، والعالمي..؛ وحباه الله تعالى هذا القلب الكبير، فأسهم في إعمار الأرض جنبا إلى جنب مع إعمار النفوس والبيوت، بما منحه، أيّده الله، من دعم وخير لرخاء هذه النفوس وراحتها؛ فكتب له المولى، عزّ وجلّ، المحبة في الأرض؛ وربح محبة أبنائه المواطنين، وحظي باحترام وتقدير كل من عرفه في المعمورة بأسرها.
إن هذا الحب والتقدير لهذا القلب الكبير، لم يأتيا من فراغ، بل من إنسانيته الفيّاضة تجاه الإنسان في كل مكان؛ وأصبح مثلا رائعا لمشاعر الإنسانية، ولِمَ لا؟ وقد أُطلق عليه بجدارة لقب: ملك الإنسانية، وأعتقد أن الأيام قد أثبتت صدق هذا اللقب وصدق هذه المشاعر تجاهه.
ولا تتوقف الأعمال الإنسانية الجليلة لخادم الحرمين الشريفين، ويعجز المرء عن حصرها، وذلك لتعددها وتنوعها من جانب ولحرصه، أيّده الله، على أن تظل لوجه الله ــ سبحانه وتعالى ــ من جانب آخر.. ولا أدل من ذلك ما أصدره خلال هذا العام من قرارات إنسانية تخص إخواننا المساجين، حيث بلغ عدد قرارات عفوه الكريم في عام واحد فقط ثلاثة قرارات استفاد منها عدد كبير من الموقوفين في قضايا مختلفة من السجناء والسجينات وعدد من الوافدين من جنسيات عدة في مناطق المملكة كافة، قدّرتها المديرية العامة للسجون بأكثر من 25 ألف سجين وسجينة ممن شملهم العفو الملكي بمناسبة شفاء صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، حفظه الله، من العارض الصحي وعودته إلى أرض الوطن سالما إضافة إلى العفو الملكي من رمضان العام الماضي وحتى رمضان الجاري.
وهذه القرارات الكريمة في العفو والتسامح، التي تثير الدهشة، لم نسمع لها مثيلا في أي بلد في العالم، والحرص على تنفيذها والتوجيه بتذليل العقبات كافة أمامها والسرعة في تنفيذها، خلال شهر رمضان المبارك؛ حفاظا على الكيان الأسري والأسرة الاجتماعية؛ ليستشعر المشمولون بالعفو سماحة الدين، كما يستشعرون أن شهر رمضان موسم خير وعفو ورحمة وإقباله الكريم؛ تسبَّب في الرفع من الجزاء المستحق عليهم؛ وأتيحت لهم الفرصة للصيام بين أهليهم وذويهم ومشاركتهم لهم فرحة العيد السعيد. وهذه اللفتة السامية الكريمة وما تمثله من فرصة حقيقية لتقويم النفوس والعودة إلى جادة الصواب للمساهمة في خدمة مجتمعاتهم بعيدا عن الانحراف ومواطن الشبهات؛ وبما أدخلته الفرحة والبهجة في نفوسهم وأسرهم جميعا ــ كل ذلك ليس مستغربا من هذا القلب الكبير، فهو غيض من فيض إنسانيته النابعة من رحمة الإسلام وإنسانيته، التي عاش عليها، ومطبوعا على مكارمها، ومحبا لها..، تواصلاً مع ما نهله، حفظه الله، من منابع الخير لوالده الملك المؤسّس عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود، طيّب الله ثراه، الذي تأثّر به، وكان العامل الموضوعي في شخصيته؛ فنشأ محبا للخير، ومطبوعا على الإحسان، حتى صار بحق (ملك الإنسانية).
إن هذه اللفتة الأبوية الحانية لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، حفظه الله، ذلك القلب الكبير النابض بالعطاء والمحبة للعالم أجمع، الذي يتلمَّس أحوال مواطنيه وهمومهم، هي امتدادٌ لمواقفه الإنسانية والخيّرة، يجب أن تكون للمستفيدين منها والمفرج عنهم، نبراسا، وأن يكونوا على مستوى هذه المكرمة، وثقة أولي الأمر بهم، وأن يحاسبوا أنفسهم ويعقدوا العزم على عدم العودة لمثل هذا العمل الذي قادهم إلى غياهب السجون؛ ويعودوا إلى مجتمعهم أعضاء ومواطنين صالحين، مساهمين في بناء الوطن ونمائه.
يتبقى أن نرفع أسمى عبارات الشكر والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين على هذا المكرمة السامية، داعين المولى عزّ وجل، أن يحفظه وسمو ولي عهد وسمو النائب الثاني، ويوفقهم إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء.