أبعاد الجدل حول مسجد نيويورك

عندما تقرر إنشاء مسجد في مانهاتن في نيويورك قرب برجي التجارة العالمي, حيث وقع اعتداء 11 سبتمبر 2001، تجدد الجدل مرة أخرى وبشكل أكثر حدة مع اقتراب الذكرى التاسعة لهذا الاعتداء. لكن الجدل اتخذ أبعادا مختلفة ودخلت فيه أطراف عديدة داخل الولايات المتحدة وخارجها, ففي داخل الولايات المتحدة أصبح تأييد بناء المسجد علامة على دعم المسلمين, أما معارضة بنائه فهي دليل على التطرف ضد المسلمين. ولذلك فإن دعم الرئيس أوباما لبناء المسجد تطبيق لسياسته الإسلامية التي أعلن عنها وسعى إلى المصالحة مع المسلمين بعد فترة الجفاء. ثم اختلطت الأوراق، فعارضت البناء مؤسسات إسلامية، بينما أيدته أخرى, ثم تراجع الرئيس أوباما عن موقفه المؤيد تحت وطأة ضغوط الاتهام له بأنه من أصول إسلامية وأنه مسلم يخفي إسلامه. على الجانب الآخر, رأى بعض المؤيدين أن بناء المسجد يكفر عما نسب إلى المسلمين من دور في الأحداث, بينما رأى غيرهم أن بناء المسجد مفيد لأنه يجدد الاتهام بما أنزله بهم المسلمون فيزدادون نقمة عليهم.
وتزامن هذا الجدل مع تطورات الأوضاع في العراق وأفغانستان وفلسطين, فالذين تعاطفوا مع أوباما يرون أنه ينفذ ما وعد به بقدر استطاعته وأنه يسعى إلى ذلك لسبب إضافي هو أن يكسب الديمقراطيون انتخابات التجديد النصفي للكونجرس، بينما يرى نقاده أن الرئيس لم يحقق شيئا, بل هو مستمر في دعم إسرائيل والضغط على الطرف الضعيف الفلسطيني، فوضع أوباما على خط النار بين الفريقين واتهم بأنه رئيس متردد، بل قامت حملة ضخمة ضده تتهمه بأنه يحابي السود على حساب البيض.
فكيف نقرأ الحدث على الساحة الأمريكية خاصة مع ازدياد موجة اليمين المتعصب ضد المسلمين والأجانب ومنها حركة "تي بارتي" المثيرة للجدل؟
هناك حقائق لا يجوز أن تفوت على القارئ العربي، أولاها أن أحداث 11 سبتمبر عدوان على الولايات المتحدة ويجب التذكير الدائم بها، لكن المسلمين لا علاقة لهم بهذه الأحداث حتى لو قام بها بعضهم, لأن سلوك البعض لا يحسب على المجموع، كما لا يحسب من باب أولى على الإسلام نفسه، ولذلك لا يجوز أن يستمر الغرب في إلصاق التهمة بالإسلام والمسلمين, بحيث تصبح عقدة عندنا, كما أن هذه الحقيقة هي التي شجعت خادم الحرمين الشريفين على القيام بمبادرة عالمية للحوار بين الأديان حتى يبدد الحوار ظلامات الاتهام والابتزاز.
إن تجديد الذكرى يجدد معه المطالبة بالتحقيق الدولي لمعرفة الجاني الحقيقي في هذه الأحداث التي دفع ثمنها المسلمون والعرب، فلا يجوز التلويح للمسلمين كل عام بالاتهام كلما حلت الذكرى, بل يجب أن يلح التساؤل والمطالبة مع الذكرى.
الحقيقة الثانية هي أن بناء المسجد بذاته أمر حسن، لكن بناءه في مكان الأحداث ليس له معنى إيجابي أو سلبي، وما دام أصبح أمرا مثيرا للجدل، فلا يجوز الاستمرار في هذه المعركة التي يشتم فيها الافتعال.
الحقيقة الثالثة، هي أن القضية كشفت عن توتر مكتوم وأنها مناسبة لتفجير هذا التوتر، والضحية الرئيس أوباما والمسلمون عموما والأمريكيون خصوصا.
إننا ندعو إلى التدبر والحذر في تناول هده القضايا التي لا تكون دوافع إثارتها بريئة في كل الأحوال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي