البرودباند: الكم والكيف

في دوائر الاقتصاديين أصبح من المسلم به الارتباط الإيجابي بين انتشار خدمة البرودباند (الإنترنت السريعة التي تسمى أيضا بخدمة النطاق العريض) ونمو الاقتصاد في دولة ما، وهذا ما دعا إلى إطلاق مؤشر انتشار هذه الخدمة كأحد المكونات الرئيسة لمؤشرات مقارنة تنافسية الدول. وبالتالي يسهل علينا فهم عمل جهة مثل الهيئة العامة للاستثمار حين تقوم بعمل قياس دوري لانتشار خدمة الإنترنت السريعة، وذلك بالتعاون مع هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات. (بمعنى قياس بنسبة عدد خطوط أو اشتراكات البرودباند مقسوما على عدد السكان).
قد يتساءل البعض عن الرابط بين استخدام البرودباند ونمو الاقتصاد، خصوصا في ظل وجود ثقافة تطغى فيها التسلية على استخدامات الإنترنت الأخرى. والجواب أن استخدام الإنترنت السريعة في دولة ما هو مؤشر على تغلغل نماذج عمل متطورة في الاقتصاد تستفيد من إمكانات الشبكات السريعة في زيادة الإنتاجية (من خلال تسريع وتيرة الأعمال مثلا) وتخفيض التكاليف (كالاعتماد على الاجتماعات عن بعد مثلا بدلا من التنقل لمكان الاجتماع).
ولكن هل يغني الكم عن الكيف؟ فكما أن معدل انتشار البرودباند مهم، فإنه مع تطور استخدامات البرودباند الآن لم يعد يكفي معدل الانتشار دون الالتفات إلى الجودة، ولهذا الغرض تجرى دراسة سنوية بالتعاون بين كلية الأعمال في جامعة أكسفورد وجامعة أوفيديو وبرعاية شركة سيسكو، حيث غطت هذه الدراسة 66 دولة، واستندت إلى 24 مليون اختبار فعلي أجريت عبر موقع سبيد تيست speedtest.net، وجرى تقييم أداء الاتصال في كل بلد بالاستناد إلى مختلف استخدامات متصفحي الإنترنت لدى الشركات وفي المنازل، شاملة استخدامات تبادل الصور والاتصال بالفيديو ومشاهدة مواقع الفيديو.
وقد وجدت الدراسة أن ثلثي الدول الـ 66 التي خضعت للدراسة تلبي سرعات الاتصال فيها حاجات مستخدمي اليوم في مختلف الاستخدامات، في المقابل هناك تسع دول فقط كانت في حال الاستعداد لمتطلبات الاتصال في المستقبل مثل مشاهدة الفيديو عالي الوضوح. كما حلت كل من قطر والسعودية وتونس والبحرين والإمارات والمغرب ومصر ضمن مجموعة الدول التي لا تلبي سرعات الاتصال فيها حاجات اقتصاد المعرفة حاليا، بينما تشير إلى أن دول مثل لاتفيا وبلغاريا واليابان وكوريا تتفوق على دول كبرى مثل بريطانيا في توفير اتصالات إنترنت تلبي حاجات اليوم.
وبالتركيز على السعودية وجدت الدراسة المقارنة من عام إلى التالي تحسنا على أغلبية الأصعدة أي في الفترة من أيار (مايو) 2008 إلى أيار (مايو) 2009 تحسن مؤشر جودة النطاق العريض بنسبة 8 في المائة ولكنه لا يزال يضع المملكة في المتوسط دون عتبة تلبية احتياجات تطبيقات اليوم. وأظهرت سرعة التنزيل تحسن نمو بنسبة 10 في المائة مثيرا للإعجاب من معدل إلى 750 كيلوبت في الثانية إلى 1.5 ميجابايت في الثانية. وزادت سرعة التحميل بنسبة 46 في المائة. من 167 كيلوبت في الثانية إلى 244 كيلوبت في الثانية. ورافق ذلك انخفاض في زمن بطء الرد latency بنسبة 11 في المائة، من 163 إلى 145 ملي ثانية. ولكن هذا التحسن لم يحم المملكة من التأخر مرتبتين إلى الخلف (حيث كان التحسن في بعض الدول الأخرى أسرع) مما يضع البلاد في عام 2009 في الترتيب 51 بين الدول 66 في الترتيب العالمي، حيث كان 49 في عام 2008.
أخيرا أشير إلى جزء مهم من عملية رفع تنافسية الدول وهو نشر ومتابعة مؤشرات الاتصالات وما سيخلق من ارتياح على البعض في المملكة، حيث اهتمام الدولة بنشر خدمة الإنترنت السريعة، ومن المأمول أن نرى في القريب ـــ بإذن الله ـــ استراتيجية شاملة لرفع مستوى هذه الخدمة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي