لماذا يدفع العميل الفرد فوائد مضاعفة؟

بالرغم من عمر مؤسسة النقد الطويل فما زال كثير من المراقبين ينتظرون منها التفاعل بشكل أسرع مع المستجدات التي ظهرت على ساحة التعاملات البنكية في السنوات القليلة الماضية، إذ أسهم التطور في تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات بظهور وانتشار معاملات بنكية كثيرة يعتمد تقديمها على تطور أنظمة الاتصالات بالذات، مثل التوسع في إصدار بطاقات الائتمان ومنح القروض الاستهلاكية للأفراد، الأمر الذي عجل بمواكبتها من قبل البنوك التجارية لدينا، التي تعمل جاهدة لتقديمها بشكل يحفظ حقوقها ويعود عليها بأكبر قدر من الأرباح.
وإذا أخذنا في الاعتبار وظائف المؤسسة التي من ضمنها مراقبة المصارف التجارية وإدارة السياسة النقدية لضمان المحافظة على استقرار الأسعار وكذلك تشجيع نمو النظام المالي وضمان سلامته، فإننا نلاحظ أن تفاعل المؤسسة مع وظائفها تلك لم يكن بالشكل المأمول والمنتظر خاصة فيما استجد من معاملات ولها علاقة مباشرة بالأفراد.
لقد استفادت البنوك من الإجراءات المتبعة حالياً المتمثلة في تحويل الرواتب الشهرية للموظفين لمدد غير محدودة إلى حساباتهم الجارية في تقديم قروض استهلاكية للأفراد وحفظت حقها في عدم تحويل الراتب إلى حساب آخر ما لم توافق هي على ذلك بورقة رسمية منها تثبت براءة ذمة العميل.
وبالرغم من أن سعر الفائدة الخاص بإقراض منشآت القطاع الخاص يزيد قليلاً على سعر الفائدة الرسمي للريال ذلك لأنه يأخذ في الحسبان معدل الخطورة والأرباح المستهدفة والتغير في قيمة سعر صرف الريال والتضخم، إلا أنها تجاهلت هذه القاعدة في تعاملاتها مع الأفراد واتبعت أساليب تعتبر بدائية في حساب الفائدة على الأقساط تلاشت مع اندثار سوق (الجفرة) العتيق وسط مدينة الرياض قبل سنوات طويلة، فهي الآن تتقاضى فوائد على كامل القرض لكامل المدة بالرغم من أن عمليتها تتناقص المبالغ التي في ذمته للبنك مع توالي الأقساط التي يسددها، وبعبارة أخرى فهو يدفع الآن فوائد لمبالغ ليست في ذمته تتصاعد كلما زادت عدد الأقساط المسددة، حتى تصل للقسط الأخير الذي يسدد فيه العميل فوائد للمبالغ التي سددها طيلة سنوات قرضه.
وحسب طريقة البنكيين أنفسهم، فالبنوك التجارية تعتمد طريقة الفائدة المركبة غير المعمول بها حالياً في مجال القروض ذات الأقساط، بدلاً من الفائدة البسيطة التي تعتمدها جميع البنوك العالمية، لذا فهي توهم عملاءها الأفراد بأن العمولة هي (7 في المائة) مثلاً بينما أن العمولة الفعلية هي أكبر من ذلك، واستحدثت جميعها طرقا إسلامية في إتمام تلك القروض، لأن هذه الطرق لا يذكر فيها سعر الفائدة بل قيمة أصل محدد اشتراه البنك وباعه للعميل بأجل محدد.
وكان من نتيجة ذلك أن تضاعفت أرباحها، مما جعلها تركز وبشكل كبير على تسويق هذه المعاملات في جميع وسائل الإعلام وبشكل كبير جداً.
ولعلي أتساءل هنا: لماذا يدفع العميل الفرد فوائد مضاعفة؟ هل لأنه فرد؟ أم بسبب تغاضي مؤسسة النقد عن وضع إطار ينظم هذه المعاملات بما يكفل تحقيق أهداف الفرد والبنك والاقتصاد المحلي في آن واحد، وأرجو ألا تسوّق المؤسسة العذر القائل إن السوق تحركه آليات العرض والطلب والمنافسة، لأن المعاملات المالية التي تبلغ هذا الحجم الكبير ينبغي لا تحركها قوى السوق بل الخدمات المتميزة من قبل البنوك في ظل إطار عام ينظم العلاقة بين أطرافه ويكفل مصالح الجميع، خصوصاً وأنها تحتكر هذه الخدمات، أما إذا كان العذر أن هذه المعاملات ذات طابع إسلامي، وتتعلق بسلع مباعة بأجل من قبل البنوك لعملائها الأفراد بأسعار محددة لا علاقة لسعر الفائدة بها، فإن ذلك يعني أن البنوك التجارية قد طغى عليها الطابع التجاري المحض بدلاً من كونها منشآت مالية تُراقب عملياتها من قبل مؤسسة النقد خصوصاً مع حجم القروض الهائل للأفراد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي