المساكن الخضراء
تتكرر مصطلحات مثل: العمارة الخضراء، والمباني الخضراء، والمساكن الخضراء، عند استعراض كثير من المشاريع العالمية وعند التعريف بها. فما هي الخضراء؟ وماذا تعني؟ وكيف بدأت؟ وما أهميتها؟ وسأحاول في هذا المقال الإجابة عن هذه الأسئلة. أما بالنسبة لتسميتها بالخضراء فاشتق من وصف البيئة الطبيعية المتكاملة والسليمة، المتمتعة بالاخضرار الدائم، والبعيدة عن الدمار أو التصحر. وتسمى العمارة الخضراء كذلك بالعمارة البيئية أو العمارة المستدامة. وقد بدأت العناية بالعمارة الخضراء في الدول الغربية بعد أزمة الوقود العالمية في سبعينيات القرن الماضي وزيادة أسعارها، وهو ما دفع بالمعماريين والمطورين إلى تصميم وتنفيذ مشاريع ومبانٍ ذات نسبة من الاكتفاء الذاتي من خدمات الطاقة والمياه، واستقلال أكثر عن المرافق العامة من خلال استغلال مصادر الطاقة الطبيعية (مثل: قوة الرياح، والإشعاع الشمسي، وتقنيات تدوير المياه وإعادة استخدامها) وسميت حينها بمسميات مثل: عمارة التوازن البيئي.
وهناك كثير من الحلول والمعالجات التصميمية والتنفيذية التي يمكن الأخذ بها عند تصميم المباني والمساكن الخضراء وتنفيذها؛ فالمباني الخضراء غير مضرة بصحة مستخدميها، وتوفر عزلاً حرارياً جيداً، وتستهلك طاقة أقل للتبريد والتدفئة، وتستثمر الإضاءة والتهوية والتدفئة الطبيعية لأقصى حد؛ للتقليل من استهلاك الطاقة الكهربائية، وتستفيد من الطاقة المتجددة بشكل أكبر، ومزودة بالأجهزة التي تعمل بالطاقة المتجددة، وتستهلك مياهاً أقل، وتعمل على تدوير المياه "الرمادية" (وهي: المياه المستخدمة في المسكن جميعها غير مياه المراحيض)، وتعيد استخدامها بعد معالجتها وترشيحها، وهي مبانٍ لا تصدر أي تلوث وتحمي مستخدميها من أنواع التلوث جميعها. ومؤخراً بُدئ في تزويدها بالعديد من التقنيات التي تجعلها مباني ذكية كذلك.
ولكن العمارة الخضراء أو المباني الخضراء لم تسلم من النقد بسبب ارتفاع تكلفتها، فالتكلفة الأولية لتنفيذ المباني الخضراء تفوق تكلفة تنفيذ المباني بالطرق التقليدية وبالمواد العادية. ويسمى الفرق في التكلفة بالزيادة الخضراء. وقد أظهرت دراسات المقارنة في الولايات المتحدة الأمريكية أن الزيادة في تكلفة تنفيذ المباني والمشاريع الخضراء تتراوح بين (1-9 في المائة) من إجمالي التكلفة، وتختلف نسبة الزيادة بناء على المدى الذي تم فيه تطبيق المعايير والاشتراطات الخضراء في كل مبنى أو مشروع بعينه. ومع هذا أكدت الدراسات على أنه يتعين على المطورين أن لا يحجموا عن تطوير مشاريع ومبانٍ خضراء؛ لأنه متى ما صممت وزودت بالتقنيات التي تجعلها مباني ومشاريع ذكية فإنها تصبح ناجحة اقتصادياً، وواعدة بيئياً في الوقت نفسه، وأقل تكلفة على المدى الطويل. فقد أظهرت الدراسات أن المباني الخضراء تستخدم في المتوسط نسبة تتراوح بين (30-50 في المائة) من الطاقة اللازمة للتبريد والتدفئة، وقرابة (20 في المائة) من استهلاك الطاقة الكهربائية للإضاءة ولتشغيل بقية الأجهزة، وتستهلك مياهاً أقل بنسبة تتراوح بين (10-20 في المائة)، وهو ما يجعلها أقل تكلفة على المدى الطويل. وهذه الإيجابيات تدفع بالمهندسين إلى العمل بجدٍّ لتطوير أساليب جديدة تجعل المباني صديقة بشكل أكبر لمستخدميها وللبيئة واقتصادية في الوقت نفسه، وتدفع بالمعماريين إلى الأخذ بتلك الأساليب وتضمينها في تصميماتهم ومعالجاتهم المعمارية، وتدفع بالمطورين إلى العناية بطلبها والحرص على تنفيذها في مشاريعهم. وفي الختام فإن المشاريع الخضراء ظهرت لتبقى وتستمر.