عوامل نجاح دمج الأجهزة الحكومية
شدني مقال للكاتب الدكتور عبد الله دحلان بعنوان "دمج وزارتي التجارة والصناعة.. قرار يحتاج إلى مراجعة"، نشر في جريدة "الوطن" في العدد 1906، الذي أوضح من خلاله عدم قناعته بقرار دمج وزارتي التجارة والصناعة في وزارة واحدة، ولا سيما أن مثل هذا الاندماج وفق تبريره، لم يأتي بالنتائج الإيجابية المتوخاة عنه ولم يحقق الأهداف المرجوة منه، ولا سيما أن ذلك الاندماج أفقد الوزارة الجديدة (المدمجة)، السيطرة على مجريات الأمور الصناعية والتجارية في البلاد، مستشهدا في ذلك بالعديد من الأمثلة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر على المجال الصناعي، فشل عدد كبير من المصانع التحويلية وتوقف نحو 803 مصانع سعودية عن العمل، إضافة إلى أن الاستثمارات الصناعية لا تزال، تفتقر إلى وجود مدن صناعية تتوافر فيها البنية التحتية الأساسية، الأمر الذي تسبب في حدوث معاناة كبيرة لعدد كبير من المصانع العاملة في بلادنا.
أما على الصعيد التجاري، فالوضع قد لا يختلف كثيراً عن الوضع الصناعي، ولا يقل عنه سوءا بأي حال من الأحوال، فمعاناة المواطنين والمقيمين ورجال الأعمال كبيرة من بعض الضعف في أداء وزارة التجارة، الأمر الذي تسبب في حدوث فوضي في الأسواق، وأضعف الثقة التي تربط بين التاجر والمستهلك، إضافة إلى شعور المواطنين والمقيمين، بما في ذلك رجال الأعمال، بالقلق والخوف تجاه التعامل بوسائل وأدوات الائتمان المختلفة، مثل الشيكات والكمبيالات، حيث إن من يتابع السوق التجارية السعودية، يلاحظ زيادة عدد الشيكات المرتجعة (بدون رصيد)، إضافة إلى ارتفاع نسب الغش والتستر التجاري وضعف الرقابة على المساهمات العقارية والتجارية، مما أدى إلى خسارة المواطنين لآلاف المليارات من الريالات، نتيجة لحالات النصب والغش والتضليل، التي تتم في السوق أمام أعين المسؤولين.
في اعتقادي أن الكاتب أراد من خلال مقاله المذكور، أن يؤكد حقيقة مهمة، ألا وهي الفشل الذريع، التي منيت به عملية دمج وزارتي التجارة والصناعة بالذات, أنها لم تعمل في الاتجاه الصحيح، وفقما هو مرسوم ومخطط لها مسبقا، بمعنى آخر أدق وأوضح، أن عملية الاندماج، لم يتحقق منها أي نتائج إيجابية تذكر يمكن لها أن تعظم من قيمة المنافع الاقتصادية المرجوة من وراء ذلك الاندماج، إضافة إلى أنها لم تفلح في معالجة العديد من المشاكل والسلبيات والملفات التجارية والصناعية العالقة التي كانت موجودة في السابق ولا تزال تراوح مكانها حتى بعد حدوث عملية الاندماج، بل إن ما تحقق من نتائج جاء مخالفاً ومغايراً تماماً للتوقعات، حيث فاقمت عملية الاندماج من بعض الأمور وزادتها سوءا على سوء، ولا سيما في ظل الأوضاع الراهنة التي تشهد فيها الصناعة والتجارة السعودية، تحديات ومستجدات ومتغيرات كبيرة للغاية على المستويين المحلي والعالمي، بالذات في ظل الانضمام السعودي الأخير لمنظمة التجارة العالمية WTO، الذي يتطلب من الوزارة المدمجة تكثيف جل جهودها واهتمامها نحوه، بهدف التعظيم من المكاسب الاقتصادية المترتبة عن ذلك الانضمام والتقليل من التكاليف، وأكد الكاتب المذكور في سياق حديثه عن مدى جاهزية المملكة لهذا الانضمام، أن هناك ضعفا واضحا في أداء وزارة التجارة والصناعة الحالي، بالذات فيما يتعلق بالتعامل مع ذلك الانضمام إلى تلك المنظمة، الذي يتمثل في ضعف قدرات الجهازين الإداري والفني، الموجودين حالياً في الوزارة، اللذين لا يتجاوز قوامهما من حيث عدد الأشخاص المختصين في أحسن حالاته، أربعة موظفين، يعملون في الإدارة الخاصة بالمنظمة، في الوقت الذي تطالب فيه الوزارة, قاصداً بذلك وزارة التجارة والصناعة، من وزارة المالية اعتماد نحو 200 وظيفة متخصصة لشؤون انضمام المملكة إلى المنظمة المذكورة.
في اعتقادي أيضاً أن المشكلة لا تكمن في سوء عملية الاندماج في حد ذاتها، لكنها تكمن في الواقع في الإعداد والتخطيط المسبق السليم لها، وذلك قبل الخوض فيها، بالذات أن مثل هذا الاندماج، وكما أوضحت في مقال سابق نشر لي في "الاقتصادية"، يعد من بين التغيرات الإدارية والاقتصادية الصحيحة والسليمة، بسبب أنه يعكس حقيقة الجمع بين التخصصات والمهام والمسؤوليات ذات العلاقة، بما في ذلك التأكيد على حقيقة الارتباط الوثيق فيما بينها، كما أنه يعمل على لملمة شتات العديد من الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، التي كانت تعمل في السابق تحت عباءات حكومية مختلفة، ومن هذا المنطلق فإنه من الواضح جداً أن المشكلة لا تكمن وكما أسلفت في عملية الاندماج، ولكنها تكمن في مدى استعدادية وجاهزية الأجهزة الحكومية محل الاندماج، النفسي والمعنوي والمادي والإداري لذلك الاندماج، وبالتالي فإن غياب أحد هذه المحفزات والعوامل الرئيسية لنجاح عملية الاندماج، سينتج عنه بكل تأكيد قصور واضح في الأداء.
وما قيل من كلام عن اندماج وزارتي التجارة والصناعة، يمكن قوله عن الاندماجات الأخرى التي قد طالت في السابق عدداً من الوزارات والقطاعات والأنشطة والأجهزة والإدارات الحكومية الأخرى، مثل الاندماج الذي جمع بين وزارتي المياه والكهرباء، والاندماج الذي جمع بين وزارتي الاقتصاد والتخطيط.
وللخروج من مآزق اندماجات الأجهزة والإدارات الحكومية، بغية الوصول إلى أفضل النتائج الاقتصادية والإدارية المرجوة، لا بد من إعادة النظر في تلك الاندماجات، وتقييم النتائج المتحققة عنها، هذا إضافة إلى رسم سياسية واضحة ووضع استراتيجية محددة لسير عملية الاندماجات، ولربما الأمر قد يتطلب كذلك، ببعض الحالات إلى إلغاء فكرة الاندماج تماماً بالنسبة لبعض الأجهزة والإدارات الحكومية، وعدم التسرع في تنفيذها، بالذات في الوقت الراهن، الذي لا يزال الاقتصاد السعودي، يمر فيه بحالة مستمرة من التغيير والتجديد والتحديث، التي لربما تتطلب المزيد من التركيز على مباشرة التخصصات الاقتصادية والتجارية المختلفة كلا على حدة وعدم الجمع فيما بينها، إلى حين أن اكتمال عملية الإصلاح الاقتصادي والتجاري والإداري التي انتهجتها الحكومة السعودية في أواخر القرن الماضي، وبالله التوفيق.