هل ستسبب أزمة إيران النووية أزمة نفطية عالمية؟
ما حدث في أسواق النفط خلال الأسبوع الماضي من ارتفاع للأسعار بسبب تصريحات إيران بشأن برنامجها النووي، يمكن أن يستمر طوال العام بسبب تخوف تجار النفط من توقف أو انخفاض الإنتاج الإيراني.
أصبح للنفط الإيراني أهمية خاصة في بداية السبعينيات لأن إيران لم تشارك في المقاطعة النفطية العربية للولايات المتحدة وهولندا، واستمرت بإمداد إسرائيل بالنفط، وقامت ببناء خط أنابيب ضمن إسرائيل لنقل النفط الإيراني إلى أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية دون الحاجة إلى قناة السويس.
بدأت الصادرات الإيرانية في الانخفاض مع بدء الاضطرابات السياسية في إيران في عام 1978، وتوقفت تماماً مع إضراب عمال النفط. ثم توقفت مرة أخرى عندما أسقطت الثورة الإيرانية نظام الشاه في عام 1979. وما إن حاول النظام الجديد تصدير النفط مرة أخرى حتى قامت الولايات المتحدة بفرض حظر على واردات النفط الإيراني على أثر حادثة الرهائن. ما إن بدأت أسواق النفط العالمية في الاستقرار والتأقلم مع الوضع الجديد حتى شن النظام العراقي السابق هجوما عسكرياً على إيران في عام 1980 أدى إلى بدء الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات. هذه التطورات المتسارعة بين 1978 و1980 رفعت أسعار النفط إلى مستويات قياسية وأدت إلى ما يعرف عالمياً بـ "الأزمة النفطية الثانية".
بدأ تأثير إيران في أسواق النفط العالمية يظهر للعلن في حزيران (يونيو) الماضي عندما بدأت العلاقات الإيرانية الأوروبية تتأزم بشأن ملف إيران النووي. هذه التطورات لم تسهم في رفع أسعار النفط فقط، بل أسهمت أيضا في زيادة تقلباتها حيث ارتفعت أسعار النفط كلما وصل الحوار إلى طريق مسدود، وانخفضت كلما لا حت بوادر حل في الأفق.
ما حدث في أسواق النفط خلال الأسبوع الماضي من ارتفاع للأسعار بسبب تصريحات إيران بشأن برنامجها النووي يمكن أن يستمر طوال العام بسبب تخوف تجار النفط من توقف أو انخفاض الإنتاج الإيراني. تخوف التجار يعود إلى:
1. احتمال تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن وفرض عقوبات اقتصادية على إيران، الأمر الذي قد يؤثر في إمدادات النفط الإيرانية بسبب عدم توافر قطع الغيار اللازمة وانخفاض الاستثمارات العالمية في قطاع النفط الإيراني.
2. احتمال قيام الغرب أو بعض حلفائه في المنطقة بشن غارة عسكرية لتدمير المنشآت النووية الإيرانية. هذه العملية لن تؤدي إلى تأزم العلاقات الدولية فقط، بل قد تؤدي أيضا إلى توقف أو انخفاض الصادرات الإيرانية، خاصة إذا نفذت الحكومة الإيرانية تهديدها وأوقفت ضخ النفط بهدف الضغط على الدول الغربية لتغيير موقفها.
3. حتى استمرار الوضع الحالي قد يخفف من الأنشطة في قطاع النفط، الأمر الذي قد يؤثر سلبياً في نمو الصادرات الإيرانية.
4. احتمال استمرار أعمال العنف وتفجير الأنابيب والمنشآت النفطية في إقليم خوزستان ذي الغالبية العربية.
بناء على ما سبق، هل ستؤدي أزمة إيران النووية إلى أزمة نفطية عالمية شبيهة بأزمة 1979؟ هل سترتفع أسعار النفط إلى مستويات قياسية في عام 2006 خاصة أنه لا توجد لدى دول الخليج أي طاقة إنتاجية فائضة على عكس ما كانت عليه الحال في عام 1979 عندما كانت هناك طاقة إنتاجية فائضة كبيرة؟
الأثر المحتمل على أسواق النفط العالمية في عام 2006
حتى لو أحيل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن فإن احتمال توقف الصادرات الإيرانية أو لجوء إيران إلى استخدام النفط كسلاح ضعيف جداً، رغم توقع زيادة حدة التصريحات التي تهدد باستخدام النفط كسلاح. احتمال حل المشكلة جزرياً في عام 2006 ضعيف أيضا. يرى البعض أن فرض عقوبات اقتصادية على إيران لن يؤثر كثيراً في صناعتها النفطية لأن الحظر الأمريكي الذي بدأ في عام 1995 ما زال مستمراً عليها. لكن الحقيقة أن فرض عقوبات اقتصادية من قبل الأمم المتحدة ستكون له آثار سلبية، خاصة إذا لم تستثن هذه العقوبات قطع الغيار اللازمة لصيانة المنشآت والمعدات النفطية. كما قد يؤثر في الاستثمارات الأوروبية والآسيوية في إيران، خاصة إذا قررت الولايات المتحدة تطبيق قانون "إلسا" الذي يمنع الشركات الأجنبية التي تباع أسهمها في الولايات المتحدة من استثمار أكثر من 20 ألف دولار في إيران. ورغم فرض القانون إلا أنه لم يطبق فعلاً على أي من الشركات الأجنبية المستثمرة في قطاع النفط الإيراني. ولا يتوقع أن تتشدد الولايات المتحدة في تطبيق هذا القانون بسبب ارتفاع أسعار النفط في الأيام الأخيرة.
تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن الدولي قد يرفع أسعار النفط في ذلك اليوم أو اليوم الذي يليه بنحو دولارين أو ثلاثة، ولكن الأسعار ستعود إلى ما كانت عليه بعد ذلك عندما يدرك التجار أن إيران ستحاول البحث عن حل سياسي سلمي بدون اللجوء إلى سلاح النفط. المشكلة هي استمرار الوضع الحالي خلال 2006 لأن هذا سيؤدي إلى رفع أسعار النفط فوق مستواها الذي تفرضه قوى السوق ما بين نصف دولار ودولارين للبرميل لفترة طويلة من الزمن، كما سيسهم في زيادة ذبذبة الأسعار. الوضع الذي يصعب التكهن به هو مدى اشتداد حدة المعارضة في إقليم خوزستان في عام 2006. فزيادة القلاقل في المنطقة قد يخفض صادرات النفط الإيرانية بأكثر من 800 ألف برميل يومياً إذا اشتدت أعمال العنف وامتدت إلى العديد من المدن والقرى في المنطقة.
خلاصة الأمر أن العامل الإيراني سيضاف إلى جملة العوامل الرئيسة التي ستحدد أسعار النفط في عام 2006. أن تأزم العلاقات بين إيران والغرب بشأن برنامجها النووي لن يؤدي إلى أزمنة نفطية مماثلة لأزمة 1979، لكنه سيلقي بكاهله على أسواق النفط. الخوف ليس من تأزم العلاقات بين الغرب وإيران، أو من ردة الفعل الإيرانية إذا تم تحويل ملف إيران إلى مجلس الأمن، وإنما من زيادة القلاقل السياسية داخل إقليم خوزستان، خاصة إذا كان هناك دعم خارجي للفئات المعارضة. في هذه الحالة لن ينخفض الإنتاج الإيراني على المدى القصير فقط، وإنما قد تتأثر خطط تطوير الحقول الإيرانية على المدى الطويل. تأثير هذه الأحداث في أسواق النفط العالمية قد يكون مضاعفاً إذا اضطرت إيران إلى وقف عمليات المبادلة بينها وبين أذربيجان، حيث تقوم أذربيجان بإمداد المدن والقرى الإيرانية بنفط بحر قزوين، بينما تقوم إيران بتصدير كميات مساوية من نفطها المنتج من غرب إيران أو الخليج لصالح أذربيجان.