تساؤلات حول صندوق ذوي الدخل المحدود!

<a href="[email protected]">[email protected]</a>

"سُئلت أم: من تحبين من أبنائك؟ قالت: "مريضهم حتى يشفى، وغائبهم حتى يعود، وصغيرهم حتى يكبر"... هذه الأبوة الحانية جسدها خادم الحرمين الشريفين, يحفظه الله, في قراره بإنشاء صندوق لذوي الدخل المحدود من المستثمرين عندما تجرد من نظرة أهل المال ونظر بعين رحيمة إلى أبنائه الضعفاء الذين أرسلوا نداءات استغاثة عبر كل الوسائل وبرروا حاجتهم إلى الدعم. كما أن استجابته تثبت بما لا يدع مجالاً للشك خطاه تجاه إصلاح حال المجتمع وبعث روح الأسرة في لحمة المجتمع السعودي بأبوة فريدة، كما تؤكد ثقته باقتصاد الوطن، هذه الثقة تأتي من إيمانه ببرنامج الإصلاح الاقتصادي الطموح الذي حمل أمانة إتمامه. كما أن في ثناياها قناعة تامة لدى خادم الحرمين الشريفين بأن حال سوق الأسهم ستتجه إلى الانضباط وإدرار العوائد على المتعاملين مدعومة بايجابية الدورة الاقتصادية "شاءت أم أبت" النظريات! وفي خضم هذه المكرمة نشأت بعض التساؤلات حول تأثير هذا الصندوق في مقدمي الخدمات المالية وخصوصاً خدمة إدارة الصناديق، وهي وجهة نظر لا يمكن رفضها. وما دام أن الأمر ما زال في طور المناقشة والاختبار فإن الحاجة ماسة إلى السعي نحو تحقيق أكبر قدر من المنافع من قرار خادم الحرمين الشريفين في هذا الخصوص.
ولكي يؤتي هذا القرار ثماره كاملة، فإن من الملائم ألا يكون الاكتفاء بصندوق واحد لذوي الدخل المحدود بل أن يتم تقسيمه إلى عدة صناديق بتوجهات استثمارية مختلفة بحيث يتنافس على إدارتها عدد من مقدمي الخدمات المالية سواء المرخص لها الآن أو تلك التي سيرخص لها مستقبلاً، وذلك لسببين جوهريين. السبب الأول، أنه كما هو معلوم فإن هذا الصندوق في أصله صندوق استثماري، وقد أثبتت التجربة السعودية أن أكثر المقبلين على صناديق الاستثمار هم من صغار المستثمرين, وهذا يعني ضمناً أن عملاء صندوق ذوي الدخل المحدود هم في الغالب من عملاء الصناديق القائمة. مما يعني ضمناً أن هذا الصندوق قد يؤثر في مستوى الإقبال على صناديق الاستثمار التي تديرها شركات الخدمات المالية (بما فيهما البنوك) وذلك لسبب وحيد يكمن في أن هامش الخسارة في الصندوق غير وارد في ظل ضمان الحكومة، مقارنة بالصناديق البديلة التي يسقط عليها احتمال تحقيق الخسائر. أما السبب الثاني، فيأتي نتيجة الحاجة إلى تطوير قطاع الخدمات المالية من خلال الرفع من وتيرة المنافسة فيما بينها. ففي حال زيادة الإقبال على هذا الصندوق على حساب الصناديق البديلة فإن مقدمي الخدمات المالية قد يعزفون إلى حد ما عن تقديم خدمات مماثلة وربما يكتفون بالتركيز على خدمات مالية أخرى، وهذا قد يفقد قطاع الخدمات المالية وهج أحد أنشطته المهمة, وهو إدارة الصناديق الاستثمارية التي لن تنبعث رحلة التطوير فيها دونما منافسة واسعة.
من هذا المنطلق، قد يكون من الملائم "خلق المنافسة" في نشاط إدارة الصناديق بتقسيم صندوق ذوي الدخل المحدود إلى عدة صناديق. حيث يتم تعيين مديري هذه الصناديق من خلال طرح منافسة عامة بين مقدمي الخدمات المالية لإدارة هذه الصناديق، بحيث يسعى كل مقدم خدمة إلى المنافسة من خلال تقديم خطته الاستثمارية لإدارة الصندوق على أن تتم المحافظة على مفهوم حماية المستثمر من الخسارة. وبهذا يتم ضمان استفادة الجميع من هذا الصندوق، والمقصود بالجميع هنا "صغار المستثمرين" "وقطاع الخدمات المالية السعودية", على أن تبقى الشريحة المستهدفة من المستثمرين بالخيار للاشتراك في الصندوق مع مقدم الخدمة الأفضل حسب أدائه.
إشارة
لوحظ في خضم التفاعل مع قرار خادم الحرمين الشريفين الحديث عن شرعية ضمان رأس المال في هذا الخصوص وهذا فيه شيء من الخلط. لن أتجاوز المختصين في أمور الشريعة، بل يجب توضيح مفهوم ضمان رأس المال من وجهة النظر المالية. حيث يقصد بصناديق رأس المال المضمون تلك الصناديق التي تركز على الاستثمار في الأصول ذات المخاطر المتدنية كالسندات وأدوات الدين الأخرى ذات العوائد الثابتة بحيث "يضمن" مدير الصندوق هنا عدم فقدان رأس المال. بمعنى أن ضمان رأس المال نابع من طبيعة الأصول التي يستثمر فيها الصندوق. أما مفهوم الضمان في صندوق خادم الحرمين الشريفين فيأتي من وجود "الدولة" كطرف ثالث ومراقب وليس ضماناً نابعاً من طبيعة الأصول التي يستثمر فيها الصندوق، حيث إن الصندوق معرض للخسارة بناء على أداء السوق. وإذا كان صندوق ذوي الدخل المحدود سيستثمر في سوق الأسهم السعودية (وهذا هو الغالب) فإنه بذلك يعتبر صندوقاً مرتبطاً بالسوق market-linked fund أي أنه النقيض التام لصناديق رأس المال المضمون capital-guaranteed fund حسبما تمليه أبجديات الاستثمار!

مستشار اقتصادي

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي