احتمالات الصدام في شبه الجزيرة الكورية

تتكاثف الغيوم السياسية مرة أخرى منذ نهاية الحرب الكورية عام 1954 والتي استمرت ثلاث سنوات عجمت عود التحالفات الكبرى في الحرب الباردة، ويوشك أن يتناثر رذاذها في المنطقة والعالم، بعد حادث الباخرة التابعة لكوريا الجنوبية التي أكدت لجنة تحقيق أن كوريا الشمالية تعمدت إغراقها.
ولما كانت خطوط التماس بين الشرق والغرب بالمفهوم الأيديولوجي خاصة في أوروبا وآسيا هي الساحات الأولى للحرب الباردة المبكرة، فقد حاولت الشمالية مدعومة بالصين والاتحاد السوفياتي اقتحام خط الحدود وضم كوريا الجنوبية ضمن الحكم الشيوعي فتصدت واشنطن و15 دولة حليفة تحت علم الأمم المتحدة حيث تمكن المندوب الأمريكي في مجلس الأمن من استصدار قرار الاتحاد من أجل السلم رقم 377 الشهير في 3/6/1950 والذي يجعل للجمعية العامة في أحوال شلل مجلس الأمن بسبب الفيتو، صلاحيات المجلس في مجال حفظ السلم والأمن الدوليين، وتمت التسوية بالمحافظة على انقسام كوريا.
ظلت العلاقات بين الكوريتين تتأرجح وفق مؤشرين: الأول، رغبة الشمال والجنوب في الوحدة لشعب واحد وتاريخ وثقافة ولغة واحدة. أما المؤشر الآخر، فهو توتر العلاقات بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة، ويرجع التوتر في أحد أسبابه إلى مساندة واشنطن حليفتها كوريا الجنوبية في ألا تتم الوحدة تحت الحكم الشيوعي. وترى كوريا الشمالية أن واشنطن هي التي تعوق الوحدة، ثم أصبحت كوريا الشمالية دولة نووية، وتعقدت معادلة الأمن بين واشنطن وكوريا الشمالية على الأقل منذ عقد ونصف، ثم دخلت الصين على الخط بحسابات أخرى، وتمكنت بكين من أن تجعل عاصمتها منتدى المحادثات السداسية بشأن الملف النووي لكوريا الشمالية، في حسابات السياسات الصينية الأمريكية. ولذلك اتهمت واشنطن بكين بأنها تساند عدوان كوريا الشمالية في حادث الباخرة، خلال حرص جولة بكين للحوار الاستراتيجي على تسوية الكثير من الملفات مع بكين. فهل تنفذ سيئول واشنطن تهديداتهما ضد كوريا الشمالية انتقاماً لحادث إغراق الباخرة؟
الثابت أن السلاح النووي الكوري الشمالي أربك الحسابات الأمنية الأمريكية كما أصبح مستحيلاً تسويته على أي نحو بسبب انعدام الثقة بين الجانبين ودخول الصين على الخط. الثابت أيضاً أن تكاليف المواجهة السياسية الحادة بين يونج يانج من ناحية، وكل من واشنطن وسيئول من ناحية أخرى عالمية بالنسبة ليونج يانج، ولكن التكاليف السياسية عالية أيضاً بالنسبة لواشنطن وسيئول لأن أي صدام بين كوريا الشمالية والجنوبية يمكن أن يؤدي إلى حرب واسعة وربما قامت كوريا الشمالية بغزو الجنوبية تحت تهديد السلاح النووي، فتربك واشنطن، وتزعج اليابان وتقضي على هيبة واشنطن وضماناتها الأمنية لكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وذلك كله لمصلحة الصين.
لكل هذه الاعتبارات، من المستبعد أن تطلق واشنطن العنان لعمل عسكري موازٍ لتهديداتها لأن واشنطن تدرك تماماً أن كوريا الشمالية تستطيع أن تهدد الأراضي الأمريكية نفسها فضلاً عن حلفاء واشنطن بجوارها.
لا يزال سلاح كوريا الشمالية النووية هو عنصر المفاجأة الجديدة، ولا تزال واشنطن عاجزة للاعتبارات السالف شرحها عن تحقيق تقدم في هذا الملف، بل إن يونج يانج قد كسبت مساحة واسعة من حرية الحركة تجاه كوريا الجنوبية مستغلة حالة الشلل التي تصيب خيارات واشنطن إزاءها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي