هيئة المهندسين - وجهة نظر أخرى

الدكتور مشاري بن عبد الله النعيم صاحب قلم براق ومؤثر، كنت دوما أستمتع بطروحاته ومقالاته في مختلف المجالات، وبخاصة ذات العلاقة بقضايا العمران منها. ومقاله في صحيفة "الرياض" في عددها ليوم السبت 11 ربيع الآخر يمس قضية مهمة من قضايا الوطن، وهو المقال الذي تحدث فيه عن الهيئة السعودية للمهندسين. ليست مشكلتي اللغة السلبية التي تحدث بها الكاتب الكريم عن الهيئة، ولا التوقيت المستغرب الذي اختاره لنشر هذا المقال قبل موعد انعقاد الجمعية العمومية للهيئة بثلاثة أيام فقط، الأمر الذي أوحى لكثيرين بسعي موجه من قبل الكاتب لحشد رأي عام محدد تجاه الهيئة ومجلس إدارتها قبل ذلك الاجتماع، ولكني استغربت غياب الموضوعية في طرح الكاتب في ذلك المقال، وهو الذي اعتدت منه الجدية والموضوعية في كتاباته السابقة. لقد سخر الكاتب قلمه لتوجيه هجوم حاد لمجلس إدارة الهيئة في دورته الثالثة، واتهمه بالتقصير وغياب الإنجاز، ورسم صورة سلبية لواقع الهيئة تبعد كل البعد عن حقيقة الأمر والمسار التصاعدي الذي تشهده مسيرة عمل الهيئة منذ انتخاب هذا المجلس. لست هنا بصدد الدفاع عن هذا المجلس، فأعضاؤه لهم من الإمكانات الأدبية ما يمكنهم من الرد على مثل هذا الطرح، ولو أني أعلم أنهم بيتوا النية جميعا للتسامي عن الرد على ما يكال لهم من اتهامات غير موضوعية على صفحات الجرائد، ولكني أتحدث هنا من واقع معايشتي اللصيقة للهيئة، بصفتي نائبا لرئيس لجنتها الاستشارية، وهي اللجنة التي اتهمها الكاتب بأنها أداة للتمويه الإعلامي لأداء المجلس، وهي التهمة التي أنفيها في هذا المقام، ليس من منطلق الدفاع عن مجلس الإدارة ولا عن اللجنة وأعضائها الذين لا يرضى أي منهم أن يكون أداة للتمويه الإعلامي، ولكن من منطلق الجهد الذي تبذله اللجنة بالتعاون مع مجلس الإدارة في سبيل معالجة كثير من الموضوعات، والتي من أهمها ما أشار إليه الكاتب حول الحاجة لتعديل النظام الأساسي للهيئة ولائحته التنفيذية، علاوة على عدد من الموضوعات الأخرى الحيوية التي لعبت اللجنة فيها دور المبادر وليس المتلقي لتوجيهات المجلس.
لقد ساق الكاتب مجموعة من الاتهامات التي لا أملك حيالها إلا الاستغراب. وأجدني هنا أوجه الدعوة للكاتب وكل منسوبي الهيئة المخلصين، للتواصل مع الهيئة بشكل إيجابي، بدلا من اتخاذ مواقف سلبية من مبعدة. لن تستطيع الهيئة بمجلس إدارتها ولا بلجنتها الاستشارية ولا بأمانتها العامة أن تسير مسيرة التطور والتحديث التي نتطلع إليها جميعا في هذا المناخ السلبي، ولا بمعزل عن أعضائها جميعهم. المبعدة التي أشرت إليها تمثلت في غياب مخجل عن أهم مناسبة سنوية تمثل فرصة حقيقية للتواصل مع الهيئة وأجهزتها، وهي اجتماع الجمعية العمومية. فقاعة الاجتماع في جدة شهدت حضورا خجولا من عدد ضئيل من أعضاء الهيئة لا يمثل سوى النزر اليسير من عدد أعضائها الذين بلغوا أكثر من 26 ألف عضو. حين حضرت مقر الاجتماع كنت أبحث بشغف بين هذا العدد الضئيل من الحضور عن الكاتب الكريم، لعلي أجده حاضر وشاهدا ومراقبا وناقدا للهيئة ومجلس إدارتها وكل أجهزتها في هذا المحفل الذي يتيح المجال لمثل هذه المشاركات الجادة، ولكني صدمت بغيابه عن الاجتماع. فكيف للكاتب أن يكون شاهدا أمينا وناقدا موضوعيا لأداء الهيئة وأجهزتها من هذه المبعدة؟
لا أريد أن أطيل، فالموضوع لا يستحق الإطالة والإسهاب. كل ما أريد قوله دعوة خالصة للكاتب وكل منسوبي هذه المهنة الرائدة لمد أيديهم لهيئتهم بيد العون وليس بقلم التجريح. إن الدعوة لحل المجلس أو الانقلاب على مزايا التجربة الانتخابية التي منحها المقام السامي الكريم لهذه الهيئة، أو إشاعة شعور الإحباط الذي يعاني منه الكاتب، لن يؤدي ذلك جميعا إلى النهوض بالهيئة وتحقيق طموحات منسوبيها، بل سيؤدي بالضرورة إلى نشر الفرقة وبتر الجهود وتعطيل المسيرة. لا أريد أن يفهم أحد من مقالي هذا أنني وزملائي منسوبي الهيئة راضون كل الرضا عن الهيئة بواقعها الراهن، ولكنني راض بحمد الله عن المسار الإيجابي الذي تسلكه، والذي أثق كل الثقة بأنه سيصل بالهيئة إلى بر الأمان وتحقيق الطموحات. كل ما أدعو إليه هو النظر بإيجابية إلى هذا المناخ التفاعلي، الذي يجب أن يكون بين أروقة الهيئة وبتواصل جاد مع منسوبيها وأجهزتها، وأن نمنح هذه الجهود الفرصة والوقت الكافيين لتؤتي ثمارها، بإذن الله، فالكل يعمل بجد في بحر متلاطم من التعقيدات البيروقراطية والرؤى المتباينة من أجهزة الدولة المختلفة، ويعلم الكاتب كم من الجهد والوقت يمكن أن يستغرقه تعديل نظام أو تنظيم أمر ما، ولنا في نظام الشركات الذي يراوح مكانه على مدى سنوات سبع عجاف خير مثال. ما رأيته في اجتماع الجمعية العمومية في جدة أثلج صدري مقارنة بسابق الجمعيات العمومية، وكنت قد تمنيت للكاتب أن يحضره عسى أن تبرد بعض ناره، فمناخ الاجتماع سادته الإيجابية والتفاعل الجاد، وأمين الهيئة الجديد بحضوره الصلب ملأ صدور الحاضرين بالثقة والأمل، على الرغم من مرور أيام معدودة على توليه مهام منصبه، وأختم هنا بالدعوة الخالصة له بالتوفيق وسداد الجهود، ليكون اجتماعنا في جمعية العام المقبل حافلا بما نتطلع إليه من إنجازات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي