بنوكنا في مواجهة الأزمة المالية العالمية
إن استمرار القطاع المصرفي السعودي في تحقيق نتائج مالية جيدة في نهاية الربع الأول من العام الجاري، يؤكد قدرته الفائقة على مواجهة تداعيات وتبعات الأزمة المالية العالمية للربع السابع على التوالي، منذ أن احتدت الأزمة المالية العالمية في أيلول (سبتمبر) من عام 2008، عندما أشهر مصرف «ليمان براذرز»، إفلاسه عقب فشل الجهود المبذولة لإنقاذه.
الدلائل على تحقيق القطاع المصرفي السعودي نتائج مالية جيدة خلال الربع الأول من هذا العام عديدة، من بينها على سبيل المثال، تسجيل إجمالي الودائع المصرفية ارتفاعاً بلغت نسبته نحو 0.6 في المائة (5.3 مليار ريال) لتبلغ نحو 966.6 مليار ريال، مقارنة بنحو 961.3 مليار ريال بنهاية الربع الأول من العام الماضي، وبزيادة بلغت نسبتها نحو 2.81 في المائة (26.1 مليار ريال) مقارنة بنهاية الربع الرابع من العام الماضي، كما حققت المصارف السعودية ارتفاعاً في حجم الموجودات في نهاية الربع الأول من العام الجاري، بلغت نسبته نحو 1.8 في المائة (24 مليار ريال) لتبلغ نحو 1.323 مليار ريال مقارنة بنحو 1.299 مليار ريال في نهاية الربع الأول من العام الماضي.
إن استمرار مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» خلال الربع الأول من العام الجاري في اتباع سياسة نقدية حصيفة، استهدفت توفير السيولة اللازمة للمصارف السعودية، مكنت المصارف السعودية من التوسع في النشاط الائتماني خلال الربع الأول من العام نفسه، حيث ارتفعت قيمة القروض الممنوحة للقطاعات والأنشطة الاقتصادية المختلفة، في نهاية الربع الأول من العام الجاري بنسبة 1.7 في المائة (12.1 مليار ريال) لتبلغ نحو 741.4 مليار ريال مقارنة بمبلغ 729.3 مليار ريال في نهاية الربع الأول من العام الماضي، وبزيادة قدرها نحو 0.8 في المائة مقارنة بنهاية الربع الرابع من العام الماضي.
إن انخفاض صافي أرباح المصارف السعودية خلال الربع الأول من العام الجاري بنسبة 2.7 في المائة، لتبلغ نحو 7.2 مليار ريال مقارنة بنحو 7.4 مليار ريال خلال الربع المماثل من العام الماضي، لن يؤثر في متانة مكونات قاعدة رأسمال البنوك، حيث لا تزال البنوك السعودية، تتمتع بقاعدة رأسمال وبملاءة وبسيولة مالية عالية جداً، حيث بلغ إجمالي رأسمال واحتياطيات المصارف التجارية العاملة في المملكة، مضافة إليها الأرباح المتراكمة حتى نهاية شباط (فبراير) من العام الجاري، نحو 194.8 مليار ريال، مقارنة بمبلغ 190.5 مليار ريال في نهاية كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي، أي بزيادة قدرها نحو 2.3 في المائة، كما أن استمرار تجاوز البنوك المحلية متطلبات نسبة كفاية رأس المال المحددة من قبل لجنة (بازل) الدولية بأكثر من الضعف، التي بلغت في نهاية الربع الثالث من عام 2009 نحو 16.2 في المائة، مقارنة بالنسبة المطلوبة من قبل اللجنة المذكورة، التي هي في حدود 8 في المائة، يؤكد سلامة المركز المالي للبنوك السعودية وقدرتها على التعامل مع الأزمات المالية المختلفة، بما في ذلك الأزمة المالية العالمية.
إن استمرار البنوك السعودية في المحافظة على مستوى جيد من الودائع المصرفية، وبالذات الودائع الجارية (تحت الطلب)، ساعدها بشكل كبير على التوسع في عملياتها وفي أنشطتها الائتمانية والمصرفية الأخرى، لا سيما أن حجم إجمالي الودائع في نهاية الربع الأول من العام الجاري، قد شهد نمواً لا بأس به مقارنة بنهاية العام الماضي، حيث بلغ حجم الودائع المصرفية في نهاية الربع الأول من العام الجاري نحو 966.6 مليار ريال، مقارنة بنحو 940.5 مليار ريال في نهاية العام الماضي، أي بزيادة بلغت نحو (26.1 مليار ريال) أو ما يعادل نسبة 2.8 في المائة تقريباً.
إن التوسع في عمليات وأنشطة البنوك السعودية، استلزم التوسع أيضاً في شبكة الفروع ومنافذ البيع ومراكز خدمة العميل الأخرى، فعلى سبيل المثال ارتفع عدد فروع المصارف التجارية العاملة في المملكة خلال الربع الرابع من عام 2009، ليبلغ 1519 فرعاً، محقق بذلك نسبة نمو سنوي في نهاية الربع نفسه بلغت نحو 7.7 في المائة (109 فروع)، كما بلغ إجمالي عدد أجهزة الصراف الآلي في نهاية الربع الرابع من عام 2009، 9950 جهازاً، وبلغ عدد نقاط البيع بنهاية الربع الرابع من عام 2009 أكثر من 82 ألف جهاز.
خلاصة القول، إنه على الرغم من ضراوة تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي لا تزال تهدد تبعاتها عددا كبيرا من المؤسسات المالية على مستوى العالم، بتعريضها لصعوبات ولمشكلات مالية مختلفة، إلا أن بنوكنا حتى يومنا هذا تقاوم هذه الأزمة، وتتعامل معها بمنتهى الحكمة والتعقل، من خلال الموازنة بين المخاطر المصرفية، والعوائد المتحققة عن الأنشطة المصرفية المختلفة.
إن مراعاة البنوك السعودية لجميع أنواع مخاطر العمليات والأنشطة المصرفية، وبالذات الائتمانية منها (ذات العلاقة بملاءة المقترض وجدوى المشروع)، وإدارتها بالشكل الجيد، مكنتها من الاستمرار في ممارسة عملياتها وأنشطتها الائتمانية بأقل الخسائر المالية المحتملة، الأمر الذي يؤكده انخفاض نسبة القروض المشكوك في تحصيلها إلى إجمالي الإقراض خلال عام 2009، حيث بلغت في نهاية أيلول (سبتمبر) من العام نفسه نحو 3.0 في المائة، ما ساعد على نمو إجمالي أصول البنوك بنسبة بلغت نحو 6 في المائة في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) من عام 2009، في حين قد بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة للعام نفسه 0.15 في المائة، الذي بدوره يؤكد المتانة المالية، التي تتمتع بها البنوك السعودية، بما في ذلك جودة ونوعية الأصول، الأمر الذي سيمكنها ـ بإذن الله تعالى ـ من الاستمرار في مزاولة عملياتها وأنشطتها المصرفية بكفاءة واقتدار رغم تداعيات الأزمة المالية العالمية وتبعاتها.