لا تحسب الشحم فيمن شحمه ورم

انتشر في السنوات العشر الماضية أسلوب تطوير الوحدات السكنية وتنفيذها، وعرضها بعد ذلك للبيع من قبل عدد محدود من شركات التطوير الإسكاني، وكذلك من قبل عدد كبير من الأفراد الذين امتهنوا أعمال التطوير – في الغالب – بصفته نشاطاً استثمارياً مصاحباً لعملهم الأساسي، ومصدر دخل إضافي. وعملية تطوير الوحدات السكنية وعرضها للبيع تعد في مجملها عملية إيجابية لدعم سوق الإسكان وتوفير مساكن ذات جودة أفضل من خلال تطبيق أسلوب التنفيذ بالجملة، الذي يُتيح للمطورين إمكانية رفع الجودة وخفض التكلفة. كما أنه يُؤصل لموضوع التخصص في مجال التطوير الإسكاني، ويحد من أسلوب التطوير الفردي الذي شاع بين الناس في الماضي بشكل واسع نتيجة لقروض صندوق التنمية العقارية. وقصص معاناة الكثير من المستفيدين من الصندوق مع خوضهم تجربة بناء المسكن بدون خبرة سابقة شائعة ومعروفة، إلى درجة أنه يتردد بين الناس المقولة الطريفة التالية: «إنه يتحتم على الشخص الذي يبني مسكناً لأول مرة أن يبيعه (إشارة إلى تدني مستوى جودته)، أما ثاني مسكن يبنيه فيتعين عليه أن يؤجره، ولا يُسكِن أسرته إلا في ثالث مسكن يبنيه».
ولكن مع الأسف فإن نسبة من المساكن المعروضة للبيع لا تزيد على أن تكون من «سلع الغرر». والغرر كما يعرفه العلماء: (ما كان له ظاهر يغر المشتري وباطن مجهول)، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر. وهذه المساكن هي مما حُسِّن شكلُها ومظهرها باستخدام مواد فاخرة للإنهاء (التشطيبات)، مثل: تركيب الرخام في الأرضيات، والحجارة على الواجهات، واستخدام أسقف الجبس المستعارة، وطلاء الحوائط بالدهانات المعتقة، وتركيب مفاتيح إضاءة ومقابس كهربائية من علامات تجارية مشهورة، وكذلك إكسسوارات الحمامات والمطابخ، وإضافة دربزينات الخشب الفاخر أو الزجاج والاستانلستيل، وغيرها مما يغري المشتري بفخامة المسكن.
ولكن ما خفي على الناظر من مكونات البناء الأساسية فالله به عليم، فتنفيذ الهيكل الإنشائي (المعروف بالعظم) لم يراعَ فيه مواصفات جودة المواد وكمياتها ونسبها وطرائق تجهيزها، وما يتبعها من أعمال ضمان الجودة، مثل: رشها بالماء لمدة 21 يوماً. ويمتد الإهمال ليشمل تنفيذ التمديدات الصحية والكهربائية من مواد ذات جودة متدنية، مع إهمال أعمال العزل الحراري والمائي أو انعدامها بالكلية، حتى إنه بلغني أن بعض المطورين يقيمون الخزان الأرضي بجوار بيارة الصرف الصحي من دون عزل الخزان، ليشرب بعد ذلك المشتري وأسرته – حسبنا الله - مياهاً ملوثة بالصرف الصحي. أما أعمال الدفان فغالبها من المخلفات، وليس من التربة المخصصة للدفان، إلا فيما ندر.
وأنا هنا لا أقول: إن جميع المساكن المعروضة للبيع من قبل شركات التطوير أو الأفراد أو غالبيتها على هذه الشاكلة. فهناك – ولله الحمد – الكثير من المطورين المتحلين بالأمانة والخوف من الله ومراقبته، والراغبين في بناء سمعة حسنة في مجال التطوير الإسكاني، ليثق بهم الناس، فتنتج لهم حملات إعلانية مجانية تستقطب المشترين باستمرار. ولكن مع الأسف فإن القلة من ضعاف النفوس تسيء إلى صناعة التطوير الإسكاني، وتجعل كل من يملك المقدرة المالية على الامتلاك يختار خوض معاناة تجربة البناء لنفسه - بكل سلبياتها - على أن يشتري مسكنا من المساكن المعروضة في السوق خشية أن يقع ضحية في مصيدة الغرر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي